بقلم: :د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – منذ نشر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون مقالها بمجلة «فورين بولسي» في مايو 2010 بعنوان «الاستدارة شرقاً»، انتقل الحديث والثقل الأمريكي الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري من الشرق الأوسط إلى الصين وشرق وجنوب شرق آسيا.
وبسبب تلك السياسة قلصت الولايات المتحدة قواتها في الشرق الأوسط من نحو 150 ألف جندي عام 2011 عندما خفّضت وجودها العسكري في العراق، وبات لديها حالياً في إقليم الشرق الأوسط الذي يبدأ من أفغانستان وباكستان شرقاً حتى المغرب غرباً أقل من 40 ألف جندي.
وجرى التأكيد على هذا التوجه في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خلال استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنت في 19 ديسمبر 2017. وحتى عندما جاءت إدارة بايدن أعادت التأكيد على هذه الرؤية في الدليل المبدئي لاستراتيجية الأمن القومي الذي صدر في 3 مارس 2021.
منطقة حيوية
لكن جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتجعل الولايات المتحدة تعيد النظر من جديد في تفاصيل وتداعيات هذا التوجه، بل وتعيد «اكتشاف» الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط والمنطقة العربية بعد أن تأكد للرئيس الأمريكي والإدارة الديمقراطية الحالية أن الشرق الأوسط ما زال «منطقة حيوية» ليس فقط للولايات المتحدة فقط بل للعالم أجمع، وأن ما قيل من قبل عن انتهاء زمن الغاز والنفط غير صحيح.
حيث روج البعض في الولايات المتحدة وخصوصاً الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الأمريكي أن واشنطن ليست في حاجة للمنطقة العربية، خصوصاً بعد أن تحولت الولايات المتحدة لتصدير النفط عام 2016، وأصبحت مصدراً صافياً للنفط والغاز عام 2018.
لقد أثبتت الأيام صحة المقاربة التي كانت تدعو دائماً لضرورة الاستمرار في الاستثمار في استخراج النفط حتى يتم التحوّل نحو الطاقة الجديدة والمتجدّدة وحتى لا يحدث نقص في إمدادات الطاقة العالمية، وخير دليل على صواب هذه الرؤية هو تعطّش الأسواق في الوقت الراهن ليس فقط للنفط والغاز بل للفحم أيضاً، وهو ما أدى لارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة لأرقام قياسية تساوي أكثر من ضعفي الأسعار وقت دخول بايدن للبيت الأبيض في 20 يناير 2021، وهو ما أدى لارتفاع التضخم في الولايات المتحدة لنحو 8.6% وهو الأعلى منذ 40 عاماً.
تحوّل استراتيجي
وفي قراءة متأنية، يجب اعتبار زيارة بايدن للمنطقة منتصف الشهر المقبل ليس باعتبارها مجرد زيارة أو جولة في المنطقة، بل تحوّل كامل واستراتيجي في الرؤية الأمريكية تجاه منطقة جرى الترويج لإهمالها طوال أكثر من عقد كامل من الزمن، لكن رغم بشاعة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والإنسانية العالمية إلا أنها كشفت للولايات المتحدة أن إهمال الشرق الأوسط أو التقليل من أهميته كان خطأً استراتيجياً كبيراً.
وأن الإسراع بتصحيح هذا الخطأ يساعد في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة حتى خارج المنطقة العربية سواء في شرق وجنوب شرق أوروبا القريبة جداً من المنطقة العربية والشرق الأوسط أم حتى في شرق آسيا باعتبار أن الدول العربية التي بها مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس هي حلقة مهمة ومحورية في سلاسل الإمداد العالمية سواء منتجات الطاقة أم حتى المنتجات التي يعاد توجيهها عبر المنطقة العربية.
لكل ذلك بدأت الولايات المتحدة «إعادة الحسابات» تجاه حلفائها في المنطقة العربية خصوصاً أن كل التفاصيل التي رشحت عن البيت الأبيض تقول إن زيارة بايدن للمنطقة، وقمة 1+3+6 التي تضم بالإضافة للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست، مصر والأردن والعراق، سوف تكون «عنواناً كبيراً» لتغير هائل في الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط.