الشرق اليوم- وسط غبار الحرب الأوكرانية، تطرح تساؤلات حول المدى الذي ستأخذه هذه الحرب، وعلاقتها بمحاولات إدارة الرئيس جو بايدن لاستعادة الولايات المتحدة كقوة عظمى بأي ثمن، والبقاء على قمة النظام العالمي، والحؤول دون صعود أية قوة أخرى، وخصوصاً الصين وروسيا.
عندما تصر الولايات المتحدة على تسليح أوكرانيا بأحدث الأسلحة لعلها تستطيع إحداث فرق في الميدان، تُمكّن من هزيمة القوات الروسية، وعندما يتم فرض أشرس عقوبات اقتصادية ومالية غربية ضد روسيا، وعندما تعلن أنها ستساعد تايوان في حالة تعرضها لهجوم صيني بهدف استعادتها إلى الوطن الأم، فذلك يثير المخاوف من تكرار سوابق في السياسة الدولية عندما لجأت بعض الدول، ومن بينها الولايات المتحدة إلى إثارة أزمات دولية لعلها تستطيع من خلالها الحد من احتمالات بروز قوى منافسة لها على المسرح الدولي.
الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولنتبيرغ مثلاً، مثله مثل وزير الدفاع الأمريكي لويد إستون وغيرهما من المسؤولين الغربيين، يعتقدون أن الحرب الأوكرانية قد تستمر لسنوات، وأن هناك «فرصة لدحر الجيش الروسي». لكن من الواضح حتى الآن أن ما فعلته الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة الأخرى لم يكن لمصلحة أوكرانيا، ولا لمصلحة أوروبا، ولا حتى لمصلحة بقية دول العالم التي بدأت تئن تحت وطأة تداعيات الحرب والعقوبات الاقتصادية.
هناك من كان يعتقد أن الولايات المتحدة نجحت في إعادة الحياة إلى التحالف الغربي، كما نجحت في إقامة تحالفات أخرى في شرق آسيا والمحيط الهادئ لمحاصرة الصين، لكن من الواضح أن ذلك لم يحقق حتى الآن هدف تقويض القدرات العسكرية والاقتصادية لكل من روسيا والصين، ما يشير إلى أن هناك حالة من الإرباك والقلق تعتري المخططات الأمريكية التي تبدو عاجزة عن تحقيق أهدافها، أو منع قيام نظام دولي جديد متعدد القطبية.
كان لافتاً أن صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية تناولت قبل يومين الوضع السياسي والعسكري الراهن بالنسبة للولايات المتحدة؛ إذ وصف الكاتب نايل غاردينر في مقال له في الصحيفة المذكورة أمريكا بأنها في «وضع السقوط الحر، وافتصادها يتجه إلى الركود، مع ارتفاع التضخم، والارتفاع الصاروخي في أسعار البنزين والسلع الاستهلاكية، وتدهور أسواق المال الذي أدى إلى محو تريليونات الدولارات من قيمة حسابات التقاعد الأمريكية». وتحدث عما تشهده المدن الأمريكية من جرائم شبه يومية في «أكبر موجة إجرام منذ عقود»، وقال: «ربما يكون المشهد الأكثر حزناً في العالم هو رؤية أفول القوة العظمى لهذا العصر».
هي ليست نبوءة، إنما تحليل لواقع أمريكي تحدث عنه أكثر من محلل وخبير وسياسي أمريكي، أشاروا إلى فقدان الدافع الذي يمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على موقعها، ما جعل قوى دولية أخرى صاعدة تسعى لملء الفراغ، وهو أمر طبيعي لأن السياسة كما الطبيعة ترفض الفراغ.
المصدر: صحيفة الخليج