الرئيسية / مقالات رأي / ماكرون “لم يفهم” الفرنسيين

ماكرون “لم يفهم” الفرنسيين

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم – نتائج الانتخابات النيابية الفرنسية في دلالاتها أعمق بكثير من تحول إيمانويل ماكرون إلى أول رئيس يفقد غالبيته البرلمانية بعد أسابيع من انتخابه لولاية ثانية، للمرة الأولى منذ نصف قرن. إن المسألة تتعلق بتغيير فرنسا نفسها.

وعندما يعزف 54 في المئة من الناخبين المسجلين عن ممارسة حقهم في الاقتراع، وهي سابقة أخرى في تاريخ الانتخابات الفرنسية، فإن ثمة سخطاً متنامياً على الحياة السياسية ككل. 

قبل خمسة أعوام، صعد ماكرون الوسطي واختفت أحزاب اليمين واليسار التقليديين. اليوم يشيح الفرنسيون بوجهوهم عن ماكرون نفسه، رغم أنهم انتخبوه في نيسان (أبريل) الماضي لولاية ثانية. لكنهم إنما فعلوا ذلك كي يتفادوا كارثة أسوأ إذا فازت زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبن بالرئاسة.

يبدو أن ماكرون لم يتلقَ الرسالة عندما حصدت لوبن 41 في المئة من الأصوات، وهذه سابقة أخرى في تاريخ اليمين المتطرف، فقال في أول تصريح يعد فوزه بالرئاسة أنه يعتزم “استكمال” سنواته الخمس الأولى، وهي سنوات لم يكن معظم الفرنسيين متفقين عليها ولاقت معارضة قوية في الشارع، عبر تظاهرات “السترات الصفراء” بينما كان الكثيرون يلقبون ماكرون بأنه “رئيس الأغنياء”.   

وفي الأيام التي سبقت الجولة الثانية من الانتخابات النيابية، كان ماكرون يتفقد القوات الفرنسية في رومانيا وينتقل إلى كييف برفقة المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي والرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، معلناً المزيد من الدعم السياسي والعسكري للرئيس فولوديمير زيلينسكي كي يتمكن من الانتصار على روسيا. بيد أن الناخبين الفرنسيين ردوا بأن الحرب في أوكرانيا ليست ضمن أولوياتهم، ولا تفوق اهتماماتهم التي تنصب على التضخم المتصاعد والتغير المناخي والرعاية الصحية. 

وإذا كانت فرنسا تواجه “وضعاً غير مسبوق يحمل مخاطر لبلادنا” وفق تعبير رئيسة الوزراء أليزابيث بورن تعليقاً على النتائج، فإن ماكرون يتحمل أيضاً مسؤولية في الاخفاق في وضع أجندة ترضي الفرنسيين العاديين، الذين ذهبوا في اتجاه أقصى اليمين وأقصى اليسار. لقد تلقى ماكرون رسالة قاسية ليل الأحد، محتواها أن السنوات الخمس المقبلة، لن تكون سهلة أبداً بعد فقدانه الغالبية. الكلمة الأولى التي استهل بها زعيم تحالف “فرنسا المتمردة” جان-جاك ميلانشون خطابه عقب الانتخابات النيابية :”لقد هزمناه” ويعني ماكرون. و”التجمع الوطني” اليميني المتطرف الذي حصد عشرة أضعاف ما حصده قبل خمسة أعوام، قال إن هناك “تسونامي” سياسياً.   

إنها أكبر من خيبة أمل فقط بالنسبة إلى ماكرون، إنها “زلزال” سياسي وفق الصحافة الفرنسية.   

وليس سهلاً على ماكرون مد اليد إلى أقصى اليسار وأقصى اليمين. ومن هم في الوسط مثل الحزب الجمهوري يرفضون، بحسب المؤشرات الأولية، التحالف مع الرئيس الفرنسي. ومن غير الوارد لماكرون أن يمد اليد إلى تحالف اليسار الذي يقوده ميلانشون ويضم “فرنسا المتمردة” وأحزاب الإشتراكي والشيوعي والخضر، لأنه وفق ما قال: “لن يكون هناك أسوأ من أن نضيف فوضى فرنسية إلى الفوضى العالمية”. وتبعاً لذلك، فقد يميل ماكرون إلى تبني سياسات أكثر يمينية أملاً في سحب البساط من تحت أقدام لوبن.      

نتائج الانتخابات النيابية، ستزيد من تعقيدات المشهد الداخلي الفرنسي في الوقت الذي تواجه أوروبا تحديات عميقة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية. والولاية الثانية لماكرون مرشحة للدخول في اختبارات قاسية في ظل برلمان معلق، لا يملك أي طرف فيه الغالبية المطلقة. وهذا ما سينعكس على أجندة الرئيس، وأي مشروع قانون سيتطلب مساومات مع كل طرف على حدة، الأمر الذي سينعكس على أداء الحكومة.

وتبقى المسألة الأساسية كامنة في تحولات غير مسبوقة تشهدها فرنسا في حياتها السياسية، وليس أدل على ذلك من تردد غالبية المواطنين في الإدلاء بآرائهم وتفضيلهم الموقف السلبي. وهذه أبلغ رسالة سياسية موجهة الى كل الأحزاب الفرنسية وليس إلى ماكرون وحده.   

عام 1969، استقال ديغول من الرئاسة إثر عدم نيل استفتاء على تعزيز اللامركزية الغالبية المطلوبة إثر سنوات من الاضطرابات الطالبية والاجتماعية. وقال مخاطباً الفرنسيين في رسالة الاستقالة: “الآن فهمتكم”. يبدو أن ماكرون لم يفهم الفرنسيين!!!

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …