بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – في جلسات استماع لجنة مجلس النواب التي تُحقق في أحداث اقتحام مبنى الكونجرس في يناير الماضي، تتكشف وقائع تطول رموزًا سياسية مهمة، وقد تُفضي، أو لا تُفضي، لإدانات لمن شغلوا أعلى المناصب السياسية وقتها، بمن في ذلك «ترامب» نفسه. إلا أن المؤكد أنها سترفع من مستويات الغضب الشعبي تجاه المؤسسات السياسية كلها.
فقد تبين من تحقيقات اللجنة، التي استمرت عامًا كاملًا، أن الكثير من المسؤولين التنفيذيين قالوا لـ«ترامب»، وقتها، صراحة إن انتخابات 2020 لم يكن بها تزوير لصالح جو بايدن، كما يزعم.
ومع ذلك اختار الرجل أن يستمع لمقربين منه، وعلى رأسهم عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، الذي نصحه بأن يخرج على الملأ ويعلن فوزه في الانتخابات رغم الهزيمة. بل شهدت ابنة الرئيس، إيفانكا ترامب، أمام اللجنة أنها كانت تعلم أنه لم يحدث تزوير. كما تبين أيضًا أن «ترامب» وفريقه أعدوا خطة متكاملة للانقلاب على نتيجة تلك الانتخابات، كان من بين أضلاعها طرد عدد من رموز الإدارة، خصوصًا في وزارة العدل، وتعيين غيرهم، ممن يوافقون على الخطة.
لكن كانت الخطوة الأولى المطلوبة هي أن يرفض نائب «ترامب»، مايك بنس، بحكم الدور المنوط به دستوريًا، أن يصدق على فوز «بايدن» في الجلسة المشتركة لمجلسي الكونجرس. فوفق الدستور، توجد في انتخابات الرئاسة جوانب إجرائية نادرًا ما يلتفت لها أحد. فبعد أن يدلي الناخبون بأصواتهم في ولاياتهم، تقوم كل ولاية بترجمة تلك الأصوات لأصوات المجمع الانتخابي وترسلها، أي أصوات المجمع الانتخابي، في خطاب رسمي للكونجرس.
بعدئذٍ، يجتمع مجلسا الكونجرس برئاسة رئيس مجلس الشيوخ، الذي هو وفق الدستور، نائب الرئيس، أي مايك بنس وقتها. وفي تلك الجلسة تُفتح المظاريف القادمة من الولايات، ويقوم رئيس مجلس الشيوخ بجمع أصوات المجمع الانتخابي وإعلان الفائز بالرئاسة، وهي خطوة إجرائية لا ينقلها حتى الإعلام لأنها تحصيل حاصل. لذلك مُورست الضغوط على «بنس» ليرفض حساب ما جاء في خطابات بعض الولايات، فتؤول المسألة لمجالسها التشريعية التي كانت في يد الجمهوريين.
لكن رفض «بنس» الانصياع أفشل الخطة، فكان البديل هو اللجوء للعنف عبر اقتحام أنصار «ترامب» مبنى الكونجرس، حيث راحوا يبحثون عن «بنس» من أجل القضاء عليه، رافعين شعارات تطالب بشنقه. وقتها كان «بنس» يعطى أوامر للجيش الأمريكى لحمايته هو وقيادات الكونجرس من الرئيس وفريقه. وحين تمت السيطرة على الأوضاع قام مائة عضو جمهوري بالمجلسين برفض التصويت على تنصيب «بايدن» رئيسًا رغم وضوح النتيجة.
الأخطر من ذلك أن القصة لم تطل فقط رموزًا بالمؤسستين التنفيذية والتشريعية كما سبق، وإنما طالت أيضًا قرينة أحد قضاة المحكمة العليا. فقد أرسلت لجنة التحقيق بالكونجرس استدعاء رسميًا لفرجينيا توماس، المعروفة باسم «جيني»، قرينة القاضي كلارنس توماس، للشهادة أمام اللجنة بعدما تبين أنها تبادلت عشرات الرسائل مع رئيس الجهاز الفني للبيت الأبيض وقتها تحثه على المضي قدمًا في خطة رفض تنصيب «بايدن». وهو ما أثار بالقطع التساؤلات حول موقف القاضي توماس نفسه من تلك الانتخابات والقضايا التي طُرحت على المحكمة.
وأيًا ما كانت النتيجة التي ستؤول لها التحقيقات، وفي ظل الاستقطاب الحالي، بين مؤيدي «ترامب» ومعارضيه، فالمؤكد أن هناك قطاعًا معتبرًا من الشعب الأمريكي سيصبح أقل ثقة في مؤسساته السياسية. فقبل بدء جلسات الاستماع كان 20% من الأمريكيين فقط هم الذين يثقون في مؤسساتهم السياسية. فما بالك بعد كل ما تقدم؟!