بقلم: نادية عبدالرزاق – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – أحدثت تقنية البلوك تشين ( BLOCK CHAIN ) ثورة معلوماتية جذرية في السنوات الأخيرة وأسهمت في تغيير ملامح الاقتصاد العالمي، لإمكانياتها في فتح آفاق جديدة لتعزيز التنمية والابتكار وتحسين حياة الأفراد، بالإضافة إلى ازدياد الطلب والاستخدام العالمي للأجهزة الذكية وشبكات الاتصال والبيانات الكبيرة، وتنامي الحاجة إلى تقنيات أكثر تطوراً في حماية الفضاء الإلكتروني.
وتعرف تقنية البلوك تشين أو «سلسلة الكتل» أنها أكبر قاعدة بيانات رقمية، آمنة، شفافة، فائقة السرعة، منخفضة التكلفة، لا مركزية تدار بواسطة مستخدميها بلا وسيط غير قابلة للتعديل أو الإزالة تتولى إدارة قائمة متزايدة من الكتل التي تحتوى كل منها على عدد من البيانات والمعلومات، وتقوم آلية عمل هذه التقنية على تجميع البيانات والمعلومات الخاصة بكل ما يتم من معاملات داخل كتل مسلسلة زمنياً من الأقدم إلى الأحدث، بحيث تشكل هذه الكتل سلسلة تعرف بسلسلة الكتل تحتوى كل منها على معلومات ذات صلة بالكتلة السابقة عليها، بحيث يكون من المستحيل تعديل أي كتلة دون إحداث تعديل على السلسلة بأكملها، الأمر الذي يجعل القرصنة على تلك المعلومات أمراً شديد التعقيد، فهي ليست تخزيناً رقمياً للمستندات بل هي سجل يهدف إلى إثبات وجود هذه المستندات وتتبع المعاملات التي تتم بشأنها.
وتسمح ميزة اللامركزية في تقنية البلوك تشين بتبادل أي نوع من القيم بين أي طرفين دون الحاجة إلى تولي جهة مركزية معينة إدارة نظام المعاملات كمؤسسة مالية (بنك، أو شركة مالية أو غيره) حيث يقوم عملها على شبكة «من النظير إلى – النظير» ( peer- to – peer network ) التي تتيح لجميع الأطراف والجهات ذات الصلة ولوج النظام في أي وقت وتوثيق منشأ وأصل كل معاملة وتسجيل بياناتها وتوصيلها إلى حالة التوافق الجماعي وتأكيد كل الأطراف عليها وفق عملية تسمى (Mining)، وبمجرد إجماع جميع الأطراف على المعاملة يتم إنشاء الكتلة ومن ثم إلحاقها بسلسلة باقي الكتل في الشبكة، وتضمن تقنية البلوك تشين درجة عالية من الثقة والأمان والشفافية في المعاملات عبر تزويد المستخدمين ببيانات شاملة والقدرة على تعقب السجل التاريخي لكل المعلومات والمعاملات والتغييرات الطارئة عليها، ولا تسمح بأي حال مسح أي معاملة بعد إدخالها أو تعديل البيانات بدون سماح جميع الأطراف وتغيير جميع الكتل ذات الصلة وذلك اعتماداً على عمل دالة الاختزال وعملية التشفير التي تضمن تطابق البيانات في الكتل المترابطة بالسلسلة.
ويتكون البلوك تشين من أربعة عناصر رئيسية تسمى الأولى الكتلة وتمثل وحدة بناء السلسلة وهي عبارة عن مجموعة من العمليات أو المهام المرجو القيام بها أو تنفيذها داخل السلسلة، ومن أمثلتها تحويل أموال أو تسجيل بيانات أو متابعة حالة أو خلافه، وعادة ما تستوعب كل كتلة مقداراً محدداً من العمليات والمعلومات التي لا تقبل أكثر منه حتى يتم إنشاء كتلة جديدة مرتبطة بها، والهدف الرئيسي هو منع إجراء معاملات وهمية داخل الكتلة تتسبب في تجميد السلسلة أو منعها من تسجيل وإنهاء المعاملات، ثانياً المعلومة ويقصد بها العملية الفرعية التي تتم داخل الكتلة الواحدة، ثالثاً الهاش وهو عبارة عن الحمض النووي المميز لسلسلة الكتل ويشار إليه أحياناً بالتوقيع الرقمي ( DIGITAL SIGNATURE ) وهو عبارة عن كود يتم إنتاجه من خلال خوارزمية داخل برنامج سلسلة الكتلة، رابعاً بصمة الوقت وهو التوقيت الذي تم فيه إجراء أي عملية داخل السلسلة.
ولا تزال تقنية سلسلة الكتل «البلوك تشين» جديدة وستتطور عدة مرات قبل أن يتم دمجها بالكامل في المجتمع كغيرها من المسارات المماثلة كالإنترنت والهاتف المحمول، كل واحدة من هذه التقنيات مرت بمراحل مختلفة قبل أن يتم دمجها واستخدامها بشكل كامل داخل المجتمع، لذا يفضل التعامل مع التقنيات الناشئة ببعض من التفكير العميق كوجهة نظر ممكنة وليست حلاً فورياً، فلقد أوضحت تقنية البلوك تشين بالفعل قوة الأفراد المتصلين عبر الإنترنت بقدرة حوسبية كافية تحت تصرفهم، يمكن لهؤلاء الأشخاص أيضاً إنشاء بنية اقتصادية جديدة تماماً بعيداً عن مجرد تغريدات أو التقاط ومشاركة الصور أو مقاطع الفيديو.
وقد تبنت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة تقنية التعاملات الرقمية «بلوك تشين» في تنفيذ المعاملات الحكومية من خلال السبق في إطلاق استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية واستراتيجية دبي للتعاملات الرقمية عام 2018 والتي حققت النتائج المرجوة اليوم، وفي إطار الجهود التي بذلتها مؤسسة دبي للمستقبل من أجل تطبيق أحدث التقنيات والممارسات الابتكارية على مستوى العالم فقد أسست المجلس العالمي للتعاملات الرقمية، ومؤخراً تم اعتماد استراتيجية محاكم مركز دبي المالي العالمي الجديدة للأعوام (2022 ـ 2024) التي تستهدف تطوير منظومة دعم قضائي وتحقيق عدالة ناجزة عالمياً وفق منظومة جديدة ومتكاملة توظف القدرات والتقنيات الحديثة في دعم القضاء وتسوية المنازعات، وتقوم تلك المنظومة على التحول الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في تعاملاتها وإجراءاتها وإنشاء شبكة قضائية ومحكمة دولية للاقتصاد الرقمي ودوائر متخصصة في الملكية الفكرية ومحاكم افتراضية وأخرى لتقنيات البلوك تشين.