الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا ونتائج انتخابات فرنسا البرلمانية

أوروبا ونتائج انتخابات فرنسا البرلمانية

بقلم: ليونيل لوران – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم – أفرزت الانتخابات الفرنسية برلماناً بغير أغلبية واضحة، مما سلب الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته ونفوذه كحصن لتيار الوسط ضد اليمين المتطرف واليسار المتطرف. والتحالفات الهشة في قلب ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ستجعل الحكم صعباً والإصلاحات أصعب. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى تعزيز الدفاع والتكامل بين أعضائه وقطع علاقاته في مجال الطاقة مع روسيا. فالخطر الآن يتمثل في تحول فرنسا إلى الداخل وقلة رغبتها في إجراء تغييرات كبيرة.

وحصة التصويت التي جاءت أسوأ من المتوقع لتحالف ماكرون الوسطي- بحصوله على 44 مقعداً أقل من الأغلبية- يتجلى فيها إحباط متزايد من أسلوبه في الحكم ومن متانة الاقتصاد. ومنذ فوزه على خصمه في اليمين المتطرف مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية في أبريل، ابتعد ماكرون عن المغامرة، وشكل حكومة تكنوقراطية متعثرة ولا سبيل لنجاتها.

وفي ظل الانكماش الاقتصادي وتضخم قياسي بلغ 5%، ساهمت سياسات ماكرون المثيرة للجدل (مثل رفع سن التقاعد إلى 65) في تحفيز التصويت المناهض له. وضرب حزب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد لليساري المتطرف جان لوك ميلينشون، إلى جانب أحزاب يسارية أخرى، على وتر حساس من خلال المطالبة بالسيطرة على الأسعار وتحديد سن التقاعد عند 60. وتمكن حزب لوبان في الواقع من تحقيق أفضل نتيجة له ​​على الإطلاق، بقفزة حصدت أكثر من عشرة أمثال ما حصده من مقاعد من قبل.

وزيارة ماكرون إلى كييف مع الإيطالي ماريو دراغي والألماني أولاف شولتس لم تغير شيئاً في مستوى التأييد له. ويرى موريس ليفي رئيس شركة «بابليسي» للعلاقات العامة والإعلان ومقرها باريس، أن التصويت كان تجلياً لضغط الاقتصاد على الطبقة الوسطى، فلم يصوت ثلث الناخبين، وثلث آخر صوت لملينشون احتجاجاً، وثلث آخر من أصحاب الياقات الزرقاء صوت للوبان لأنه يشعر بالتخلف عن الركب. وعدم ظهور فائز واحد يتجلى فيه الواقع الفوضوي لسياسات ما بعد كوفيد وما بعد اندلاع حرب أوكرانيا. فقد تضخمت الدولة الفرنسية خلال الوباء، حيث بلغ الدين العام 113% من الإنتاج المحلي الإجمالي وبلغ عجز الميزانية 7%.

وقد لا تكون الصرامة المالية من الأمور الرائجة المستحبة، لكن دعوة ميلينشون لإنفاق سنوي إضافي بقيمة 250 مليار يورو لم تحظ بثقة واسعة النطاق أيضاً. وهذا النوع من الجمود يوفر، نظرياً، بعض الفرص. فمع عدم وجود مجموعة أخرى قادرة على السيطرة، فالطريق مفتوح أمام ماكرون لإبرام صفقة مع «الجمهوريين» من «يمين الوسط»، أو العمل مع أطراف أخرى على أساس كل حالة مفردة. وأظهرت الاحتجاجات العنيفة خلال فترة ولاية ماكرون الأولى مخاطر ضعف المعارضة، ويظهر التاريخ أن الرؤساء السابقين من اليمين واليسار على حد سواء استطاعوا «التعايش» مع المعارضين السياسيين عندما أجبرتهم الحسابات البرلمانية على ذلك. لكن في الواقع، هناك فرصة كبيرة لحدوث تمزق في التحالفات والائتلافات المتنافرة قد يصل إلى نقطة الانهيار. وهناك أحزاب كثيرة بقدر عدد الشخصيات، والتوقعات الاقتصادية قاتمة والمنطقة الوسطية الفرنسية يتزايد ضيقها.

ويخشى كريستوفر ديمبيك، من ساكسو بنك، أن هذا أشبه بالسياسات المتقلبة لإيطاليا أكثر من كونه بناء اتفاق الآراء في ألمانيا. والاختبار الأول لهذا سيتمثل في تدابير معتزمة سيتم الكشف عنها الشهر المقبل لتعزيز القوة الشرائية. وفيما يتعلق بإيطاليا وألمانيا، سيتعين على ماكرون القيام بمزيد من التواصل في أوروبا لتحقيق أهدافه إذا كان يعاني من مشاكل في الداخل.

السياسة الداخلية والخارجية يمثلان ساحات معركة مختلفة، لكن النفوذ والقيادة في بروكسل يتداخلان مع المصداقية الاقتصادية والقدرة على إقرار التشريعات. صحيح أن من دواعي ارتياح ماكرون أن كليمنت بيون – حليفه القديم والوزير في الاتحاد الأوروبي – تمكن من الفوز بمقعد في البرلمان، لكن كل هذا بعيد عن ذروة نفوذ باريس خلال كوفيد-19، حين أقنعت برلين بالتراجع عن تهيبها من تعزيز التكامل الذي ظلت تعتنقه لفترة طويلة.

والضغط على شاغلي المناصب السياسية ليس مقتصراً على فرنسا بالطبع. فقد تلقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ضربة في انتخابات منطقة أندلسية، وتواجه المملكة المتحدة أكبر إضراب في السكك الحديدية منذ عقود.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …