الرئيسية / مقالات رأي / هل ينجح الرئيس الجزائري في بناء المجتمع المدني؟

هل ينجح الرئيس الجزائري في بناء المجتمع المدني؟

بقلم: أزراج عمر – صحيفة النهار العربي 

الشرق اليوم- صادق اجتماع مجلس الوزراء الجزائري الذي انعقد يوم الأحد الماضي برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبّون على مشاريع عدة وقرارات منها مشروع قانون الجمعيات، الذي يهدف، حسب التوضيحات التي وردت في أدبيات الحكومة، إلى “إيلاء الأهمية البالغة للمشهد الجماعي “على نحو يضمن عدم تكرار” التجارب السيّئة التي شهدتها الجزائر، مع توضيح وتدقيق كيفيات وشروط إنشاء الجمعيات في شكل لا يدع أي مجال للتأويلات والقراءات المختلفة لمضمون القانون”.

في هذا السياق يرى محللون سياسيون جزائريون أن المقصود بالتجارب السيئة التي عرفتها الجزائر في الماضي، هي الفوضى التي تكرست في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في مجال إنشاء الجمعيات التي تحولت إلى دكاكين للسلطة وحصرت مهمتها في الترويج للولاية الرئاسية وصرف الأموال التي كانت ترصدها الوزرات المعنية بلا جدوى.

وفي الحقيقة، فإن تجميد المجتمع المدني في الجزائر هو نتاج وعرض للمشكلة الكبرى المتمثلة في مسألتين، هما: عدم تنظيم المجتمع الجزائري كله تنظيماً دقيقاً، وغياب رؤية عصرية لدى دعاة تشكيل جمعيات قادرة على ربط كل ذلك بالتنمية الوطنية التي لم يتحقق منها في الواقع ما يمكن أن يشكل أرضية صلبة يقوم عليها تحديث البلاد ثقافياً وصناعياً وتعليمياً ومؤسسات منتجة للثروة وتنظيمات سياسية حداثية تكون بمثابة النفحة التي تنفخ روح العصرنة في مفاصل الدولة وشعبها.

وأكثر من ذلك، فإنه ينبغي التوضيح أن المراحل السابقة على مرحلة بوتفيلقة لم تعرف بدورها أي تأسيس للبنى المتطورة للمجتمع المدني الحر والمستقل في الجزائر، أما الذي حدث فاقتصر على جعل المنظمات الجماهيرية، مثل اتحادات العمال والشباب والفلاحين والتجار والنساء ومختلف الروابط الثقافية والفنية والثقافية والمهنية كاتحادات الكتاب الجزائريين والصحافيين والفنانين وهلم جرا، مجرد منصات لأيديولوجية النظام الحاكم حينذاك، الأمر الذي حولها إلى بيادق للدعاية ونفخ الشعارات.

وهنا يُطرح السؤال: هل تستطيع مرحلة الرئيس تبّون إحداث قطيعة حاسمة مع أخطاء الماضي وأن تقوم بابتكار وصفة جديدة بموجبها يمكن العمل جماعياً من أجل بناء مفاصل المجتمع الحداثي باعتباره المقدمة الضرورية والشرط المركزي لبناء الدولة الجزائرية الحديثة؟

ما يؤسف له أنه رغم الهزّات الكثيرة التي تعرضت لها الجزائر، فإن النظام الجزائري الحاكم لم يفتح حتى للنقاش العام ملف الفشل الذي منيت به البلاد في كل المجالات منذ الاستقلال إلى يومنا هذا خصوصاً في مجالين حيويّين هما: هندسة الإنسان الجديد ضمن بنية العائلة أولاً ثم ضمن مفاصل دولة المواطنة، وثانياً صنع رأسمال مجتمع متطور ومؤسس على أرقى تطورات العلوم والثقافة الحداثية.

من الملاحظ أن هذا الفشل البنيوي قد نتج منه أمر خطير جداً وهو سقوط رهان التنمية الحضارية، وبسبب ذلك، ضاعت سنوات الاستقلال في مهب التلاعبات المدعوة خطأ بالسياسية.

لا شك في أن المجموعات المختلفة التي حكمت البلاد، سواء تواجدت في أعلى هرم السلطة أو في عمق القاعدة في الجزائر العميقة، ليست حالة طارئة، وإنما هي عرض ونتيجة لغياب مشروع بناء طور المجتمع في العمل السياسي الجزائري الذي افتقد إلى النظرية وإلى تفعيل الكفاءات القادرة على الإبداع وخوض غمار الابتكار.

وما يؤسف له أيضاً هو أن ظاهرة هذا الفشل لم تجد تشخيصاً علمياً ضمن إطار البحث العلمي الجاد كما أنها بقيت مكدسة حيث لم تعالج لاستئصال ورمها الخبيث الأمر الذي جعل الجزائر بلداً منتجاً للتناقضات ولشتى أنماط العنف المادي والرمزي.

وفي الواقع، فإن خوض غمار بناء المجتمع المدني، بما في ذلك ما يصطلح عليه في الجزائر بالحركة الجمعوية، لا يمكن أن يحصل إلا إذا تمَت معالجة المشاكل المكرسة للتخلف البنيوي على المستويات الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية، وترميم تصدعات العشرية الدموية، والتوصل إلى توافق وطني ينهي بواسطة الحوار الصادق الصراعات الماراثونية على “الألوان” التي تلصق بالهوية بطريقة إلغائية دائماً، وفتح حوار شعبي حقيقي حول علاقة الشعب بمؤسسات الدولة وبحكامه معاً.

وهنا نتساءل: لماذا عجزت السلطات الجزائرية منذ الاستقلال عن منح الأسبقية لطور بناء المجتمع المدني في عمليات بناء أركان الدولة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تفترض منَا قراءة البنية الكلية للرأسمالين الرمزي والمادي المتحكمين في الثقافة والذهنية الجزائريتين قراءة نقدية شجاعة، لأن هذه البنية الكلية هي المسؤولة عن إفراز التخلف بكل أشكاله.

وفي هذا الخصوص، يرى بعض الخبراء المتخصصين في التاريخ السياسي الجزائري -ومن بينهم رجل الدولة والمفكر الجزائري مصطفى الأشرف- أن تأجيل قضية بناء طور المجتمع ومن ثمَ طور الدولة في جزائر الاستقلال كان ولا يزال يمثل حجر عثرة يُجهض مسار الانتقال بسلاسة ووعي من تبعات موروث الواقع الكولونيالي إلى واقع الاستقلال المختلف والذي كان من المفروض أن يتأسس على الإجماع الوطني والسيادة الشعبية التي يرمز إليها المجتمع المدني بمختلف تنظيماته وروابطه.

وفي الواقع، فإن تهميش المجتمع المدني حيناً وفرض الوصاية عليه بطرق شتى في الجزائر حيناً آخر ليس حديث العهد بل له جذور في شبكة البنى الثقافية والاجتماعية الجزائرية الموروثة عبر التاريخ، وهكذا فإن مركزية الحكم، واستبعاد المجتمع من صياغته وتنفيذه ومراقبة نشاطاته في جزائر الاستقلال، مشتقة من مرجعيات عدة منها -على سبيل المثال- التأثير العثماني أي مركب النظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المعروف بهرمية الآغا وباشاغا والقيّاد ونظام “الخماسة” الزراعي الذي بمقتضاه تم سحق المزارع والعامل تحت أقدام الإقطاعي أو صاحب رأس المال … وكذا تأثيرات النظام الرأسمالي الاستعماري الفرنسي الذي فكك البنية الزراعية الجماعية المنتمية إلى نمط الانتاج الأفرو – آسيوي، وبالتزامن حطم البنية العائلية التي تتوزع فيها السلطة بعدالة.

فالجزائرية مغنية الأزرق، أستاذة علم الاجتماع بكلية هونتر بجامعة نيويورك ومؤلفة كتابّ “نشوء الطبقات في الجزائر: دراسة في الاستعمار والتغير الاجتماعي – السياسي”، تمكنت من استخلاص نتيجة مهمة تفيدنا في فهم، لماذا يتم استبعاد المجتمع المدني وفرض الوصاية عليه من طرف السلطة الحاكمة في الفضاء الجزائري بعد الاستقلال، وتتمثل هذه النتيجة في إشاراتها إلى أن البنيان الاجتماعي غير المتكافئ في المجتمع الطبقي الجزائري قبل الاستقلال له تأثير حاسم في إحلال مركزية السلطة والحكم في جزائر ما بعد الاستقلال بين أيدي شريحة أو فئة أو مجموعة ما، في حين بقي المجتمع فضاءً تمارس فيه السلطات على الشرائح الشعبية والأفراد مختلف أنماط تجارب الاحتواء حيناً والسيطرة حيناً آخر والإقصاء في طور أخير.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …