افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – أن يمتنع 54% من الفرنسيين من أصل حوالى 48 مليون ناخب عن الإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت يوم أمس الأول، فهذا يعني أن غالبية الفرنسيين غير راضين عن أداء معظم الأحزاب الفرنسية لأن ما قدمته من برامج ووعود لا تلبي طموح الفرنسيين في التغيير، ولا تلامس مطالبهم واحتياجاتهم، ونتيجة لذلك فشل قادة الأحزاب خلال حملاتهم الانتخابية في إقناع الشباب والفئات العمرية الأخرى بالتوجه إلى صناديق الاقتراع.
لذا، فإن نتائج الانتخابات عكست صورة هذا الوضع السياسي الجديد الذي سيكون بالتأكيد أقل تماسكاً، وأكثر صعوبة بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون في تحقيق الإصلاحات التي وعد بها، بعد خسارة تحالف «معاً» الذي يقوده، وعدم قدرته على الحصول على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية وهي 289 مقعداً من أصل 577 مقعداً.
وتشير النتائج شبه النهائية إلى أن معسكر ماكرون حصل على 245 مقعداً ما سيضطر الرئيس الفرنسي إلى إبرام تحالفات هشة مع أحزاب فرنسية صغيرة، وبما قد يؤدي إلى شلل سياسي. أما تحالف اليسار بزعامة جان لوك ميلانشون، فقد حصل على 131 مقعداً. وقد هلل ميلانشون لفشل تحالف ماكرون في الحصول على الأغلبية المطلقة، معتبراً ذلك بمثابة «فشل انتخابي»، وقال إن هذه النتيجة «المخيبة هزيمة للحزب الرئاسي».
لكن المفاجأة الكبرى كانت في حصول «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان على 89 مقعداً، وهي أفضل نتيجة يحققها التجمع في تاريخه، إذ كان لديه في الجمعية الوطنية السابقة ثمانية نواب فقط. وقد وصفت الصحف الفرنسية هذه النتيجة غير المتوقعة بأنها «تسونامي» سوف يجعل من التجمع قوة مؤثرة في الجمعية الوطنية يمكنها عرقلة الكثير من المشاريع الرئاسية التي تتعارض مع سياساته. رئيس التجمع بالوكالة حوردان بارديلا وصف ما حصل بأنه «موجة زرقاء في كل أنحاء البلاد.. إن الشعب الفرنسي جعل إيمانويل ماكرون رئيس أقلية».
المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية أوليفيا جريجوار، رغم خيبة أملها، إلا أنها متفائلة بأن الحكومة ستتواصل مع جميع الأحزاب المعتدلة لإيجاد أغلبية في البرلمان. وقالت «سنتواصل مع أولئك الذين يريدون دفع البلاد إلى الأمام». فيما تعهدت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن بأن حزب ماكرون «يسعى لبناء تحالفات على الفور»، وحذرت بأن «هذا الوضع يشكل خطراً على البلاد بالنظر إلى التحديات التي علينا مواجهتها».
لعل الوصف الذي أطلقته صحيفة «لوفيغارو» على نتائج الانتخابات، وهو أن معسكر ماكرون «مصاب بالحمى» هو الوصف الأدق لحالة إدارة الرئيس الفرنسي، حيث تحدثت عن «ارتباك» و«ارتجال» في حملته الانتخابية.
المشهد السياسي يتكرر مع ماكرون، إذ إنه في عام 1998 وجد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران نفسه في وضع مماثل، حيث فاز بعدد مقاعد قليل في الانتخابات التشريعية آنذاك.