بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- التوترات والتحذيرات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل تضع الشرق الأوسط مجدداً على فوهة بركان. أي خطأ في الحسابات قد يجر إلى حربٍ إقليمية شاملة لا تبقي ولا تذر. ويزيد من حراجة الوضع تراجع الآمال في إمكان التوصل إلى صفقة في فيينا تعيد إلى الحياة الاتفاق النووي لعام 2015.
انهيار الاتفاق بالكامل، يعني وضع إيران وإسرائيل وجهاً لوجه مع كل سيناريوات التصعيد. وكلما اقتربت طهران من العتبة النووية، كلما تصاعدت احتمالات أن تعمد تل أبيب إلى توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية … وبطبيعة الحال، سترد طهران مع حلفائها الإقليميين في لبنان وسوريا والعراق وغزة على الضربة الإسرائيلية، لتكون تلك بداية حرب يصعب جداً معرفة كيف يمكن أن تنتهي.
ويقول الخبراء الأمريكيون والإسرائيليون والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن “أسابيع” وليس “أشهراً” باتت تفصل إيران عن جمع الكمية اللازمة من الأورانيوم المخصب بدرجة عالية لصنع قنبلة نووية. فهل الانفجار في المنطقة مرشح للحصول في غضون هذه “الأسابيع”؟ سؤال صعب ليست الإجابة عليه بالمتيسرة.
بيد أن الملاحظ أنه في خضم هذا المناخ المفعم بالتصعيد، تأتي جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن على المنطقة. وبديهي أن الملف النووي الإيراني في صلب المباحثات التي سيجريها سيد البيت الأبيض في إسرائيل والمملكة العربية السعودية، في جولة تمتد من 13 تموز (يوليو) المقبل إلى 16 منه.
لا شك في أن الرهان الأمريكي على إبرام صفقة في فيينا آخذ في التبدد، إلا إذا حصل إختراق ما في اللحظة الأخيرة. وتعتمد واشنطن استراتيجية الغموض في ما يتعلق بالخيارات البديلة للاتفاق النووي، لا سيما في ما يتعلق بالخيار العسكري الذي ترى إسرائيل، إنه الحل الوحيد والأنجع الذي من شأنه أن يقضي على البرنامج النووي الإيراني أو على الأقل يؤخره لسنوات، بينما البيت الأبيض لا يزال على إقتناع بأن تشديد العقوبات على إيران قد يشكل ورقة ضغط قوية، لحمل طهران على تقديم تنازلات في الملف النووي، وأنه يجب ترك الخيار العسكري كملاذ أخير.
هذا يحمل على الاعتقاد في أن واشنطن لم تعطِ الضوء الأخضر لإسرائيل بعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، خصوصاً أن امريكا قد تحاول تجنب نشوب حرب واسعة في الشرق الأوسط، بينما الحرب الروسية – الأوكرانية لا تزال في ذروتها، وليس من مصلحة الولايات المتحدة حرف الأنظار عن أوروبا في الوقت الحاضر.
هل يعني هذا أن بايدن آتٍ لتهدئة المخاوف الإسرائيلية، من خلال التعهد لتل أبيب بأن واشنطن لن تسمح لطهران بإمتلاك السلاح النووي؟ وبأن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران في الوقت الحالي ربما تعوّق جهود الحشد الأمريكي ضد روسيا في أوروبا وضد الصين في المحيطين الهادئ والهندي؟.
هذه الحسابات الأمريكية لا تتطابق بالضرورة مع الحسابات الإسرائيلية التي تخوض سباقاً مع الزمن للحؤول بين إيران والقنبلة النووية، التي يرى معظم المسؤولين الإسرائيليين، أنها بمثابة الخطر الوجودي على إسرائيل، ولذلك فإن مزيداً من الانتظار لن يصب في مصلحة تل أبيب.
هذا التحليل يبقي الخيارات كلها مفتوحة إلى حد أن إسرائيل ربما تتصرف بمفردها. لكن حتى لو تصرفت إسرائيل بمعزل عن ضوء أخضر أميركي، فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في آتون صراع شرق أوسطي جديد، لا تحبذ الخوض فيه، خصوصاً في هذه المرحلة.
هذه الضغوط ربما تفتح الباب لتقديم تنازل ما في مكان ما، أملاً في تجنب انجراف الشرق الأوسط إلى جحيم آخر، بينما أنظار العالم كلها مسمّرة على النزاع في أوكرانيا.
والطريقة الأسهل لتجنب حرب واسعة، هي في إنعاش إتفاق فيينا. وهنا يمكن أوروبا أن تؤدي دوراً في تدوير الزوايا بين الولايات المتحدة وإيران، كي لا يقفل الباب نهائياً أمام إحياء الاتفاق، وتالياً بدء العد العكسي للانفجار الشامل في الشرق الأوسط.