بقلم: حسن فحص – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- يواجه النظام الإيراني في الأيام الأخيرة هجوماً مباشراً من أكثر من جهة وطرف، هذا الهجوم غير المسبوق أربك القيادة والحكومة على حد سواء، وجعل الفريق المفاوض ورأس الدبلوماسية الإيرانية وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان يفتش عن وسائل لمنع الانهيار أو الاصطدام بالحائط الذي بدأ يرتفع أمام جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي.
الإشارة الأولى التي تلقتها طهران، جاءت من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي تبنى في اجتماعه الأخير مسودة القرار الذي تقدمت به الرباعية الدولية (واشنطن مع الترويكا الأوروبية) يتهم طهران بعدم الشفافية والتجاوب مع أسئلة الوكالة حول مصادر اليورانيوم مرتفع التخصيب في عدد من المواقع السرية التي لم تكشف عنها، وهو مؤشر أخذته القيادة الإيرانية بجدية، لم تخفف منها محاولة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي تمنى على عبد اللهيان اعتباره بمثابة توصية، من دون أن يحسم الموقف من النتائج التي قد تترتب عليه مستقبلاً.
وعلى الرغم من الصدمة التي أحدثها قرار مجلس الحكام، وأيضاً الإجراءات التي لجأت إليها طهران للرد على هذا القرار بتعطيل كاميرات المراقبة المدرجة في اتفاق 2015 والتحضير لتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة لتسريع عمليات التخصيب العالية وبدرجة 60 في المئة وما فوق، فإنها في المقابل، وعلى المستوى السياسي، أعلنت تمسكها بالاتفاق النووي وعدم مغادرتها منطقة الحوار، وأكدت استمرار الحوار غير المباشر مع الإدارة الأميركية من خلال الوسيط الأوروبي أنريكي مورا ورئيسه مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل.
وفي الوقت الذي كان مسؤولو النظام منهمكين بمعالجة التداعيات المحتملة لقرار مجلس حكام الوكالة وقطع الطريق على تحويله إلى منصة للانطلاق نحو إعادة إحالة الملف الإيراني برمته إلى مجلس الأمن الدولي في شهر سبتمبر (أيلول)، جاءت الإشارة الثانية للتحدث عن الأنفاس الأخيرة للاتفاق النووي، على لسان مدير الوكالة الدولية رافايل غروسي، الذي لجأ إلى مغادرة منطقة التفاؤل وإمكانية التوصل إلى تسوية مع طهران، ما أسقط الرهان الإيراني على إمكانية المحافظة على النافذة الحوارية التي تشكلها الوكالة ودورها في تكفيك الألغام بينها وبين واشنطن حول النقاط العالقة في الملف الفني والتقني وتخفيف مستوى القلق والخوف من طموحاتها النووية وتأكيد سلمية البرنامج الذي تمتلكه.
وعلى الرغم من الدور الذي يلعبه الوسيط الأوروبي في نقل الرسائل والحوار غير المباشر بين طهران وواشنطن، فإن الأخيرة ذهبت إلى خيار التصعيد بتبني موقف غروسي والقول بوصول المفاوضات إلى حائط مسدود، بعد أن قطعت الأمل في الحصول من طهران على التنازلات التي تريدها في ما يتعلق بالعودة للالتزام بقواعد اللعبة، والقبول بإعادة إحياء الاتفاق من دون شروط إضافية، مع وعد واضح بالجلوس إلى طاولة التفاوض حول الأزمات الإقليمية التي تشكل مجال النفوذ الإيراني، وتقديم ضمانات بعدم تعريض أمن واستقرار دول المنطقة لأي نوع من التهديد، والتخلي عن المنحى التهديدي والتصعيدي في موافقها من إسرائيل. وهي مطالب اعتبرتها طهران تنازلات تجعل من المفاوضات قائمة على مبدأ وجود رابح هو واشنطن، وخاسر وحيد هو إيران، ما يجعل من الصعب الموافقة أو القبول بذلك.
واشنطن التي لم تهدم كل الجسور التي قد توصل إلى الحوار، إلا أنها غادرت القاعدة التي قام عليها اتفاق 2015، عندما اعتبرت جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات ربحت من النتيجة التي وصلت إليها، وبالتالي باتت أمام خيار العودة إلى تفعيل سياسة تشديد الضغوط التي اعتمدها الرئيس السابق دونالد ترمب، وأن الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط وما سيرافقها من تطورات سياسية مفصلية تعيد رسم معادلات المنطقة على نصاب مختلف، ستسمح لواشنطن بالابتعاد عن دائرة الابتزاز الإيراني، وأن تمارس تحشيداً دولياً ضد إيران لإعادة فرض رقابة صارمة على أنشطتها النووية من بوابة استغلال المخاوف الدولية من امتلاك إيران لها.
ولعل وزير الخارجية عبد اللهيان هو أكثر الأطراف الإيرانية إدراكاً لمخاطر وتداعيات التطورات الأخيرة في موقفي الإدارة الأميركية والوكالة الدولية، لذلك حملت مواقفه محاولة للتأكيد على تمسك بلاده بالحوار والتفاوض معهما، وعدم الانسحاب، متهماً واشنطن بالتصعيد عبر مجلس حكام الوكالة، وبعث في الوقت نفسه رسالة إيجابية يكمن إدراجها ضمن الرسائل المتبادلة مع واشنطن، بتأكيد استمرار طهران دعم وقف إطلاق النار في اليمن والحوار اليمني ورفع الحصار.
موقف عبد اللهيان الذي يأتي بعد الموقف الأميركي بإعلان نهاية الاتفاق، يحمل رسالة إلى الداخل الإيراني، حول مسؤولية الفريق المفاوض عن النتائج التي وصلت إليها المفاوضات، وأي قرار سياسي يذهب أو يتضمن القبول أو الموافقة على المطالب الأميركية لاستئناف المفاوضات، يسقط كل التهم التي وجهت إلى الفريق الذي قاده سلفه محمد جواد ظريف بالخيانة والتفريط بمصالح إيران الاستراتيجية، على الرغم من أنه استطاع إبعاد الملف الإقليمي عن طاولة التفاوض، في حين أدت سياسات الفريق الجديد إلى جعل الملف الاقليمي جزءاً أساسياً وعاملاً مقرراً في مستقبل الاتفاق وجهود إلغاء العقوبات الاقتصادية.
ليس من المنطقي المسارعة لإعلان وفاة المفاوضات أو الاتفاق النووي، لجهة أنه يشكل حاجة لكلا الطرفين، فواشنطن تريده لقطع الطريق على تطويره واستمرار الرقابة عليه، وطهران تسعى لإحيائه للتخلص من الآثار المدمرة للعقوبات على اقتصادها، وبالتالي، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد مساراً جديداً توفيقاً بين معادلة “رابح – رابح” أو “رابح – خاسر”، معادلة تقوم على “أثمان مقابل أثمان” أي، ما الثمن المطلوب من إيران أن تقدمه من أجل التفاهم مع أميركا وإعادة إحياء الاتفاق؟ وما الثمن المطلوب أن تقدمه واشنطن في المقابل الذي يشجع طهران على القبول بالتنازل والانتقال إلى مرحلة التفاهمات؟