بقلم: محمد خليفة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- إن عناصر القوة في الصراع الاقتصادي ظاهرة محددة الأبعاد، وعلى رأسها مصادر الطاقة وإنتاج الغذاء والتدفقات الرأسمالية. وينطبق الأمر في بعض جوانبه على الشركات والمؤسسات، إلى زيادة العوائد الاقتصادية التي تمثل دعامة الرخاء، ومن ثم القوة الكامنة للدولة.
ومنذ بداية عصر النهضة، أضحت مصادر الطاقة من أبرز العوامل المؤثرة في حياة الأمم والشعوب، تتساوى في ذلك الدول المنتجة والدول المستهلكة على حد سواء، في مشارف عصر تناهت فيه الأبعاد والأحلاف العسكرية. فالتكتلات الاقتصادية الحديثة قد تحدث واقعاً أكثر خطورة على الوحدات الاقتصادية، إن لم نقل: إن حرباً جديدة قد بدأت، والتي قد تلغي ثنائي القوة إلى تعددية الوحدات التي تهيمن على الاقتصاد العالمي في هذا الكوكب؛ بحيث تصبح أيديولوجية المصالح والنفوذ الاقتصادي العالمي، هي القوة المتفردة سياسياً واقتصادياً.
ومع وضوح ذلك للمفكرين والسياسيين والقادة إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يزال مصراً على فرض المزيد من العقوبات على روسيا، ففي نهاية الشهر الماضي، قام بفرض ما سماها “الحزمة السادسة” من عقوباته، والتي تستهدف حظر معظم واردات الخام والمنتجات النفطية الروسية، ما يعني خفض هذه الواردات بنحو 90%. وتُعد أوروبا وجهة ما يقرب من نصف صادرات روسيا من الخام والمنتجات البترولية، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وتظهر بيانات هذه الوكالة أن الاتحاد الأوروبي استورد 2.2 مليون برميل يومياً من الخام العام الماضي، بما في ذلك 0.7 مليون برميل يومياً عبر خطوط الأنابيب، فضلاً عن 1.2 مليون برميل يومياً من المنتجات النفطية المكررة. وكانت ألمانيا، وهي أكبر قوة اقتصادية أوروبية، أكبر مشترٍ للنفط الروسي في الاتحاد الأوروبي؛ حيث استوردت 687 ألف برميل يومياً من النفط الخام، و149 ألف برميل يومياً من المنتجات المكررة. وتُعد ألمانيا، كذلك، أكبر مستورد للاتحاد الأوروبي لخام الأنابيب الروسي، والذي بلغ 555 ألف برميل يومياً، بينما استوردت بولندا 300 ألف برميل يومياً من النفط الخام عبر خطوط الأنابيب. أمّا هولندا فهي ثاني أكبر مستورد للخام الروسي، وأكبر مستورد للاتحاد الأوروبي للمنتجات المكررة الروسية؛ حيث استوردت 414 ألف برميل يومياً من الخام، و335 ألف برميل يومياً من المنتجات المكررة. وقد شكل النفط الروسي 92% من واردات سلوفاكيا من النفط الخام. كما استحوذ النفط الروسي على 87% من واردات ليتوانيا و84% من واردات فنلندا.
وعقب إعلان تلك الحزمة السادسة من العقوبات، قال رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول لموقع “شبيغل” الإخباري الألماني: إن أوروبا قد تواجه نقصاً في الوقود هذا الصيف، بسبب الشح في أسواق النفط. وحذر بيرول من أن أزمة الطاقة الحالية “أكبر بكثير” من صدمات النفط في السبعينات، وأنها سوف تدوم أيضاً لفترة أطول. وقال بيرول للموقع: “في ذاك الوقت كان الأمر يتعلق فقط بالنفط… الآن لدينا أزمة نفط وغاز وأزمة كهرباء في آن واحد”.
لا شك أن الاتحاد الأوروبي يهدف من خلال سياساته، في فرض العقوبات ضد روسيا، إلى دفع هذه الأخيرة إلى حافة الإفلاس، وبالتالي إجبارها على إيقاف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، غير أن روسيا لن تستسلم أمام تلك العقوبات، ويؤكد مسؤولوها، بشكل دائم، أن العملية مستمرة حتى نزع سلاح أوكرانيا بشكل كامل، وإقامة عالم متعدد الأقطاب. وبالتالي فهذه الحرب مصيرية بالنسبة إلى روسيا؛ ولذلك فإن أي عقوبات لن تدفعها إلى تغيير سياستها المرسومة. وهي أيضاً لديها ما يكفي من مختلف مصادر الطاقة القديمة والجديدة والمتجددة وهي تتجه لتوجيه هذه الطاقات المختلفة نحو دول جديدة، لكن الاتحاد الأوروبي الذي يفتقر إلى مصادر الطاقة سوف يجد صعوبة بالغة في تأمين مصادر بديلة عن النفط الروسي، لأن الدول المنتجة في العالم متعاقدة مع دول تقوم بالتوريد إليها، وهي لا تستطيع أن تلغي تلك العقود، أو توجه نفطها للاتحاد الأوروبي الذي يبدو أنه قادم إلى فترة حرجة من تاريخه؛ ذلك أن الاقتصاد كان هو الدافع في إنشاء هذا الاتحاد، وبالفعل فقد حقق الأوروبيون مكاسب مهمة في السنوات الماضية، لكنهم الآن يدفعون ثمناً باهظاً من جرّاء مواقف الاتحاد السياسية التي تؤدي إلى تدمير اقتصاد بلدانهم، وعلى الأغلب لن يتمكن الاتحاد الأوروبي من التغلب على مشكلة الطاقة، على الأقل في القريب العاجل، ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف معيشة الأوروبيين، وانهيار ما سمي ب”عصر الرفاه”.