الشرق اليوم– بعد تسعة أشهر على الانتخابات البرلمانية العراقية، لا يزال العراق في حال انسداد سياسي كامل؛ بل يزداد انسداداً ويهدّد مجمل الوضع السياسي والأمني والاجتماعي في البلاد، خصوصاً بعد فشل انتخاب رئيس للجمهورية ثلاث مرات متتالية، وبالتالي فشل اختيار رئيس للحكومة. وازداد الأمر سوءاً مع إعلان نواب التيار الصدري ال73 الاستقالة من البرلمان، وقرار مقتدى الصدر الانسحاب من العملية السياسية، وعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة “في حال وجود فاسدين”.
في الحقيقة لم تكن الأزمة السياسية مفاجئة ولا حالة الانسداد، ولا الفشل في انتخاب رئيس للبلاد، ولا عدم القدرة على تشكيل حكومة، ولا حتى انسحاب نواب التيار الصدري؛ لأن المشكلة الأساسية التي أدت إلى كل ذلك، تكمن في شكل النظام القائم الذي لن يؤدي إلا إلى ما وصل إليه العراق.
لن يؤدي إجراء انتخابات جديدة، ولا أي خطوة ترقيعية أخرى إلى حل الأزمة؛ لأن الأساس الذي تقوم عليه العملية السياسية برمتها، ملغوم بدستور يحمل كل عوامل الصراعات التي تعمّق الخلافات السياسية والطائفية والعرقية، وتمزّق أواصر الوحدة الوطنية؛ بل ووحدة التراب العراقي.
نقول إن الأزمة في الدستور، لأنه يمثل القانون الاتحادي الذي تمت الموافقة عليه في 15 من تشرين الأول/أكتوبر 2005، ودخل حيز التنفيذ في العام التالي، وقد تمت صياغته في ظل الاحتلال الأمريكي، وبأوامر من الحاكم الأمريكي، آنذاك، بول برايمر، ووضَعَ مواده الأساسية قانونيون أمريكيون، وقامت “لجنة كتابة الدستور العراقية” بعد ذلك بالمراجعة، مع الإبقاء على النصوص التي تؤكد “المحاصصة” الطائفية التي شكلت في السنوات التالية، عوامل تفجير مذهبية، وأسست لظاهرة الإرهاب التي أنهكت العراق ودمّرته على مدى سنوات، وأججت الأحقاد والضغائن والتطرف.
أراد الرئيس بوش، آنذاك، أن يقدّم صورة “ديمقراطية” للعراق، بعدما افتضح هدف الغزو الذي لا علاقة له بأسلحة دمار شامل مزعومة، فقدّم هذا الدستور المشوّه الذي لا يشبه العراق ولا العراقيين.
إن وضع دستور دائم لأي بلد يعتبر عملاً استراتيجياً مهماً في حياة أي دولة عصرية؛ كونه يؤسس لمستقبل الدولة والمجتمع، في إطار إجماع وطني كامل يؤكد المواطنة أساساً، في إطار الدولة المدنية التي توحّد الجميع تحت مظلتها، وتكون قوية وقادرة على حماية الحقوق الأساسية للمواطن، وتوفر العدالة للجميع، وتضمن الحريات السياسية بعيداً عن الاصطفافات الطائفية والمذهبية والعرقية.
أرادت الولايات المتحدة أن تقدّم هذا الدستور على أنه إنجاز، باعتباره نموذجاً للتنمية والرفاهية والديمقراطية والحرية، فإذا به أداة للخراب والتدمير والطائفية والتقسيم، وما يواجهه العراق اليوم من أزمة سياسية قاتلة ليس إلا نتيجة من نتائج هذا الدستور.
لذلك لا خلاص للعراق إلا بإعادة كتابة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، بشكل يتم فيه إسقاط كل ما له علاقة ب”المحاصصة” الطائفية والمذهبية، ويكرّس وحدة العراق وعروبته وسيادته.