بقلم: رندة تقي الدين – النهار العربي
الشرق اليوم- حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشعب الفرنسي من فوضى إذا امتنع الناخبون يوم الأحد عن التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، وطالب من مدرج مطار أورلي الباريسي لدى توجهه إلى رومانيا، بلهجة دراماتيكية، الشعب الفرنسي بأن يعطيه “أغلبية صلبة، لأن ذلك لمصلحة الدولة”، داعياً الفرنسيين إلى “يقظة جمهورية” والتوجه إلى الاقتراع يوم الأحد.
وسجلت الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الأحد الماضي نسبة امتناع قياسية بلغت 52.49 في المئة. وقال ماكرون: “لا امتناع ولا بلبلة والوضوح مطلوب”. وهو بحاجة إلى أغلبية مطلقة، أي الحصول على 289 نائباً في الجمعية الوطنية تمكّنه من تنفيذ الإصلاحات وإقرار القوانين المطلوبة لخطط عهده الرئاسي الثاني. فتفوق مجموعته “معاً” (Ensemble) كان ضعيفاً إذ حصلت على 25.75 في المئة من الأصوات، ليتبعها اتحاد اليسار المتطرف “نوبس” NUPES بعدما تمكن جان لوك ميلانشون، رئيس حزب “المتمردين” Les insoumis من توحيد صفوف اليسار، وحصل على 25.66 في المئة من الأصوات. ووصل حزب مارين لوبن “التجمع الوطني” اليميني المتطرف ثالثاً وبعده أحزاب اليمين الجمهوري وغيرها من اليمين الوسطي التي حصلت على 13.62 في المئة من الأصوات.
ويأتي تحذير ماكرون من فوضى فرنسية تضاف إلى الفوضى العالمية في محله. فعدم حصوله على أغلبية مطلقة سيعطل عمله لأن للأحزاب المتطرفة، من اليسار أو اليمين المتطرف، خطط عمل وبرامج لا علاقة لها ببرنامج ماكرون داخلياً وخارجياً. فعلى صعيد الخارج، يعارض ماكرون الحرب الروسية في أوكرانيا، فيما كلٌ من ميلانشون ولوبن قريبان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبالنسبة إلى العالم العربي، على سبيل المثال، تريد لوبن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الرئيس السوري بشار الأسد، وكان ميلانشون قد أيّد تدخل بوتين للدفاع عنه. وكل من لوبن وميلانشون يعارضان الاتحاد الأوروبي كما هو اليوم. فلوبن تريد إغلاق الحدود بين دول الاتحاد وميلانشون يريد تغييره. وزعيما اليمين المتطرف واليسار المتطرف يريدان الخروج من الحلف الأطلسي. أما على الصعيد الداخلي فكلاهما يؤيدان التقاعد في سن الـ60، فيما ماكرون يريده في الـ65 لتقليص التكلفة الباهظة على مالية الدولة.
وإذا لم تحصل مجموعة الرئيس “معاً” يوم الأحد المقبل على الأكثرية المطلقة، أي 289 من أصل 577 نائباً قد يضطر الرئيس للبحث عن نواب حلفاء من حزب اليمين الجمهوري الذي قد يحصل على 60 إلى 80 نائباً في الجمعية الوطنية.
ميلانشون يردد أنه سيكون رئيس الحكومة المقبل، ولكن الرئيس وحده يعيّن رئيس الحكومة، وأغلب الظن أنه حتى لو حصل اليسار المتطرف على أكبر عدد من النواب فلن يعيّنه ماكرون رئيساً للحكومة، خصوصاً أن رئيسة الحكومة الحالية أليزابيت بورن أتت من صفوف الحزب الاشتراكي والتحقت بماكرون ومجموعته. وهكذا، فالتخوف من إضعاف ماكرون مشروع، كما التحذير من الفوضى، لأن برامج أحزاب اليسار واليمين المتطرفة تهدد موقع فرنسا القوي في الاتحاد الأوروبي. ويقول وزير المال الفرنسي برونو لومير في هذا الإطار: “علينا أن ننتزع الأغلبية المطلقة كي نتجنب تحويل الجمعية الوطنية إلى حروب خنادق، فالأغلبية النسبية تجبر على مفاوضات بلا نهاية لا يمكننا أن ننتظر أكثر للقوة الشرائية والتقاعد والتضخم والعمل”.
لا شك في أن تحذير ماكرون الذي أثار غضب خصومه، خصوصاً ميلانشون ولوبن، آت من قلق كبير على إدارته للسنوات الخمس المقبلة، والتخوف من الامتناع مشروع لأن الشعب الفرنسي سئم من السياسيين. فالفرنسيون قلقون من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الطاقة، كما تخيفهم الحرب الروسية في أوكرانيا التي يعتبرونها قريبة جداً من بلدهم. فهل يستمعون إلى نداء ماكرون؟ هذا ما سيظهر الأحد المقبل موعد الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الأساسية لنظام فرنسي برلماني.