الشرق اليوم- صار حال الدول الأوروبية كحال “القط الذي يلحس المبرد”، فالعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا وهي عقوبات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية بلغت أكثر من 5,530 عقوبة، حسب موقع “بلومبيرغ”، بدأت تداعياتها السلبية تنعكس على هذه الدول أكثر من تداعياتها على روسيا.
العقوبات شملت قطاعات المال والدفاع والاقتصاد، والطاقة والتكنولوجيا والطيران، إضافة إلى مسؤولين وأفراد، إلى درجة أن بعض المراقبين وصفوها ب”الحرب النووية المالية”.
لكن بعد أكثر من ثلاثة أشهر على هذه العقوبات التي فُرضت على شكل حُزم متتالية، بدأت أوروبا تواجه أزمات اقتصادية حادة مع وصول نسب التضخم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وارتفاع حاد في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، ومواجهة بعضها حالة من الركود الاقتصادي، كما يقول الخبراء، حتى إن الكاتب البريطاني سيمون جنكيز، دعا في مقال له في صحيفة “الغارديان” إلى “التخلي عن سياسة فرض العقوبات على روسيا؛ لأن أضرارها أكثر من منافعها”. وقال: “إن الاتحاد الأوروبي لا يدري ماذا يفعل تجاه هذه المشكلة”. ويقول مدير أبحاث الاقتصاد العالمي في المعهد الوطني البريطاني، ماكشياريلي، إن أوروبا قد “تواجه مشكلة كبيرة في الشتاء المقبل إذا كانت الظروف الجوية قاسية”.
وحذر من أن الشركات والشعوب الأوروبية “ستتعرض لارتفاع فواتير الطاقة، وزيادة الضغوط على الدخل”. أما المحلل الاقتصادي بول سوليفان فتوقع “ركوداً اقتصادياً، إن لم يكن كساداً في العديد من الدول الأوروبية؛ لأنها غير مستعدة لتخزين النفط، أو توفير الإمدادات البديلة بشكل سريع حتى الآن”.
يذكر أن الغاز الروسي يصدّر بأكثر من 40% إلى أوروبا، كما أن نصف صادرات النفط الروسية التي تصل يومياً إلى 5 ملايين برميل يتم تصديره إلى أوروبا. ويؤكد الخبراء أنه من الصعب على أوروبا تعويض واردات الغاز الروسي مئة بالمئة من جهات أخرى. وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية تضرراً من العقوبات؛ إذ تعتمد على موسكو في ثلث وارداتها من النفط، و45% من مشترياتها من الفحم، و55% من واردات الغاز، ما يهدّد برلين بركود حاد، ويتسبب في انكماش الاقتصاد بنسبة 2.2%.
خبراء الاقتصاد يؤكدون أن أوروبا هي الخاسر الأكبر في هذه المعركة؛ إذ بات أمنها الاقتصادي والغذائي على حافة الهاوية؛ لأن هناك قطاعات مهددة بالانهيار، والجميع يدركون أن الطاقة هي عصب الاقتصاد العالمي.
في الجهة المقابلة، استطاع الاقتصاد الروسي الصمود في مواجهة العقوبات ولم تبلغ تداعياته الحد الذي وصلت إليه في أوروبا؛ إذ إن الروبل فرض نفسه كواحدة من أفضل العملات خلال الأشهر القليلة الماضية، حسب وكالة “بلومبيرغ” التي ذكرت أن الروبل ارتفع بنسبة 6.6% مقابل الدولار، وسجل 64.75 روبل للدولار الواحد.
هل تعيد أوروبا حساباتها وتخرج من تحت العباءة الأمريكية التي فرضت عليها مواقف بدأت تنعكس عليها سلباً؟
المصدر: صحيفة الخليج