الرئيسية / مقالات رأي / بوريس جونسون… هل هذه بداية النهاية؟

بوريس جونسون… هل هذه بداية النهاية؟

بقلم: كاتي بولز – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- بعد شهور من التكهنات والفضائح التي أدت إلى تقويض رئاسته للوزراء، أُجبر السيد جونسون يوم الاثنين الماضي على مواجهة اقتراع بسحب الثقة، بتشجيع من حزبه الذي يزداد اضطراباً وغضباً. وحقق السيد جونسون نصراً في يوم درامي من أيام البرلمان، إذ حصل على 211 صوتاً مقابل 148. وقال في رد مفعم بالتحدي، إن هذا النصر يعني “أنه يمكننا التركيز على الأمور المهمة حقاً”.

هذا مدعاة للتفاؤل. فمن الناحية الفنية، ينبغي للسيد جونسون أن يكون في مأمن من تحدٍّ آخر لزعامته لمدة سنة. لكن الحقيقة أكثر قتامة: في السياسة البريطانية لا يوجد ما يسمى النصر في التصويت على الثقة. بدلاً من ذلك، إنه يميل إلى تحديد بداية النهاية، أي بداية الموت البطيء للزعيم.

فلقد أعلنت تيريزا ماي استقالتها بعد أقل من ستة أشهر من نصرها المماثل (بفارق أكبر)، في حين استمرت مارغريت ثاتشر 48 ساعة فقط. وقد تمكن جون ميجور من البقاء في منصبه بعد فوزه، وكانت النتيجة الحتمية هي الفناء الانتخابي.

يُصر أنصار السيد جونسون على أنه استثناء للقاعدة، وأنه ليس -كما قال أحد الوزراء على التلفزيون- «رجلاً ميتاً يمشي». في وقت ما كان أغلب المشرعين المحافظين يصدقون هذه المزاعم. ولم يعد الأمر كذلك. وبعد أن رفضه الكثير من أعضاء حزبه وواجه ردود فعل شعبية معاكسة، دخل السيد جونسون الآن في حالة حرجة، وربما بإصابات سياسية مُهلكة. فقد تراجعت احتمالات قيادته لحزبه كثيراً في الانتخابات المقبلة.

إنه تراجع ملموس. ففي حزب المحافظين، كان السيد جونسون الرجل الذي يتحدى قواعد الجاذبية السياسية. فقد تمكن في أثناء فترة ولايته في المنصب العام من النجاة من فضائح شخصية كانت لتعصف بالكثيرين من أمثاله وتحقق انتصارات انتخابية كانت تستعصي على أسلافه. فقد فاز بالعمادة (رئاسة البلدية) مرتين في لندن التي صوّتت لصالح حزب العمال، وقاد حملة المغادرة إلى النصر في استفتاء «بريكست»، ثم ضمن أكبر أغلبية لحزب المحافظين، سنة 2019 منذ أيام السيدة ثاتشر.

لكن في الآونة الأخيرة، بدا فناؤه من الناحية السياسية بصورة مثيرة للقلق. فقد هبطت مستويات شعبيته بشكل مطرد: استناداً لاستطلاع حديث، يريد 59 في المائة من البالغين البريطانيين أن يترك منصبه. وفي إشارة إلى الرفض الوطني، قوبل السيد جونسون بالاستهزاء والسخرية الشديدة في اليوبيل البلاتيني مؤخراً. وليس الأمر أن السياسي المحافظ الذي يتعرض للسخرية والاستهجان من الحوادث النادرة، بل إنه أمر شائع للغاية في الواقع. ولكنه يتعلق بالسيد جونسون الذي لم يكن من المرجح تعرضه شخصياً لهذه التصرفات.

هذه ليست بالمسألة البسيطة بالنسبة لرئيس وزراء كانت علاقته بحزبه تتّسم دوماً بالمنفعة المتبادلة. لم يكن المحافظون يدعمونه في المقام الأول لأنهم أحبوه أو كانوا يَدينون له بالولاء أو يعتقدون أنه يشاركهم رؤيتهم، وإنما دعموه لأنهم ظنوا أنه الفائز. الآن وبعد أن صار الواقع خلافاً لذلك، فإن المحافظين الذين يعانون من شعبية السيد جونسون غير الواضحة، باتوا يحققون سبع نقاط مئوية وراء حزب العمل المعارض في استطلاعات الرأي الشعبية، مما يدفعهم دفعاً إلى إعادة النظر في مواقفهم.

أكبر عامل في سقوط السيد جونسون من الفردوس، بالطبع، هو فضيحة «بارتي – غيت». وفي فضيحة هزت السياسة البريطانية، اتُّهم هو وأعضاء فريقه بانتهاك قواعد الإغلاق بصفة متكررة. وأدت الانتهاكات إلى تحقيقات الشرطة التي أصبح جونسون خلالها أول رئيس وزراء في السلطة تغرّمه الشرطة، وإجراء التحقيق المستقل المطول الذي كشف عن تفاصيل دقيقة لإقامة حفلة في «داونينغ ستريت». وأصبح عُرضة لواحدة من أخطر التُّهم في السياسة البريطانية: النفاق. مما أثار غضب الجماهير في البلاد.

لا يُفيد أن السيد جونسون أظهر القليل من الندم. فرئيس الوزراء الحالي معروف عنه كراهيته للاعتذار. وحتى في الساعات التي سبقت التصويت، في حين كان فريقه يحاول يائساً حشد الدعم لأجله، لم يُعرب عن نبرة مهذبة. وفي رسالة موقّعة موجّهة إلى زملائه اعترف على مضض بأن «بعض هذا الانتقاد ربما كان منصفاً»، قبل أن يضيف على وجه السرعة: «ولكن بعضه أقل من ذلك».

لكنّ أسلوبه العاصف، الذي كثيراً ما كان فعّالاً، لم يُفلح في نهاية الأمر. وقد اتحد ضده نواب من مختلف أجنحة الحزب: إذ انضمت الشخصيات التي لم تحبه قط إلى صفوف مؤيدي «بريكست» غير الراضين عن مواقفه المتغطرسة، إلى جانب المسيحيين المتدينين المستائين للغاية من تصرفاته غير السوية.

إن عمق واتساع المعارضة الداخلية، يعني أننا لا نستطيع عدّها من أعمال الفئة المناهضة لـ«بريكست»، أو الذين يُضمرون الضغائن الشخصية.

ومع ذلك، فإن توتر العلاقة بين السيد جونسون وحزبه يعود إلى ما قبل الأشهر القليلة الماضية. فقد شعر المشرعون المحافظون بأن أصواتهم لم تكن مسموعة إلى حد كبير منذ فوزه بالسلطة على هذا النحو الشامل سنة 2019، واتخذت الأمور منعطفاً نحو الأسوأ بنهاية عام 2021 عندما طلب من حزبه دعم أحد النواب الموقوفين بسبب إخلاله بقواعد العمل السياسي، ثم فوجئوا بتغييره موقفه بغتة، وبالنسبة إلى كثير من المشرعين الشبان، أثبت الأمر أن السيد جونسون لا يعرف ما كان يفعله، وأنه لا يمكن الوثوق به.

مع ذلك، يأمل موظفو السيد جونسون أن يتمكن من إعادة بناء سلطته. وقد تم جلب فريق جديد من المساعدين هذا العام لدرء التمرد. فإلى جانب الحرب في أوكرانيا، والتي سمحت له بلعب دور رجل الدولة، كانت عملية إعادة التنظيم هذه سبباً في كسب الوقت لرئيس الوزراء. ولكن مع تضاؤل نشاط الجهود الرامية إلى تجديد الثقة، صارت الآفاق الانتخابية كئيبة للغاية.

المشكلة بالنسبة للسيد جونسون أنه لا توجد أخبار جيدة كثيرة تأتي في هذه الأثناء. بعد فشل الحكومة حتى الآن في الوفاء بتعهدها برفع مستوى البلاد وقرارها زيادة الضرائب، قليلون هم الذين يثقون بأجندته المحلية. ويتفاقم هذا القلق بفعل أزمة تكاليف المعيشة، مع استمرار التضخم في الارتفاع.

الأكثر من ذلك، أن انتخابات الشهر الجاري بين مقعدين متباينين -«ويكفيلد»، الدائرة الانتخابية الشمالية التي حازها المحافظون من حزب العمل عام 2019، و«تيفرتون وهونيتون»، الدائرة الانتخابية المحافظة تقليدياً في الجنوب الغربي- قد تكون مُدمرة. إذا ما خسر حزب المحافظين المقعدين، كما يبدو ممكناً، فسوف يشكل ذلك ضربة قوية للغاية. ثم هناك مسألة صغيرة تتعلق بتحقيق مجلس العموم حول ما إذا كان السيد جونسون قد ضلل البرلمان، وهي مخالفة تستوجب الاستقالة كما هو معروف.

بينما قد يكون السيد جونسون آمناً، من الناحية النظرية، لمدة 12 شهراً أخرى، لا يعتقد أحد حقاً أن هذه هي الحالة. فإن القواعد الحاكمة لحزب المحافظين غامضة، ومن الممكن تغييرها بين عشية وضحاها. والشعور السائد بين كبار المحافظين بأنه إذا انقلبت الأغلبية ضد السيد جونسون، فسوف يرحل قبل انتهاء السنة.

وبطبيعة الحال، تحدى رئيس الوزراء الصعوبات مرات عدة. لكن عندما يحاول الفرار من تصويت مُؤلم مُستنزف للسلطة، فمن الصعب للغاية الفرار من الشعور بأن الفرصة الحالية ليست سوى الفرصة الأخيرة قبل الفناء.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …