بقلم: مصطفى النعمان – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- لم يعد وارداً في ذهن الجميع، بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، أن الحل العسكري ما زال ممكناً، أو أنه سيحقق أكثر مما فعل منذ اندلاع الحرب في 26 مارس (آذار) 2015. ثم جاء التغيير الذي تم فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022 الذي تشكل بموجبه مجلس القيادة الرئاسي ليؤكد هذا السياق وبدء البحث عن مسار سياسي يضع حداً نهائياً للحرب وللمأساة الإنسانية، وليمنح اليمنيين واحدةً من الفرص التي قد لا تتكرر والتي إن حدثت، ربما أسهمت في استقرار البلاد.
لقد صار من الطبيعي إصابة الناس بالشكوك حد اليأس مع أي تغيير يتمنون أن يحدث فرقاً في حياتهم بعد سنوات طويلة من الإهمال والفساد وانهيار كل الخدمات وعجز الإدارات المتتالية، ويكفي التذكير بأن العاصمة المؤقتة عدن تعيش من دون تيار كهربائي منذ سنوات، وبلا خدمات أساسية، ومن دون جهاز أمني موحد في ظل تنازع السلطات داخلها، مما عطل محاولات انتشالها والمحافظات المجاورة من الفوضى، والظلام، والمرض، والفقر… ولم يعد مقنعاً الاكتفاء بالحديث عن الأسباب لأن الناس لم تر جهداً جاداً نزيهاً لإنقاذهم.
بطبيعة الحال، لا يجب تجاهل أن العجز المخيف في الموارد يشكل عائقاً حقيقياً أمام تنفيذ المشاريع التي تحتاجها المدن اليمنية التي صارت تُسمى بـ”المحررة”، ولكن الحقيقة أيضاً أن الموارد التي لا يعلم أحد مقدارها ومصادرها وكيفية صرفها تشكل ثقباً أسود يستنزف كل ما يدخل البنك المركزي. ويكفي للتدليل على حجم الفوضى، أن عدداً من المرافق العامة الرئيسة لا تقوم بنقل إيراداتها إلى البنك المركزي متسببةً في إرباك متواصل يعيق إعداد موازنات موثقة يمكن من خلالها ضبط الدورة المالية للدولة، وهذا يثير قلقاً لدى المانحين.
إن التوجه الصحيح الذي يجب سلوكه من البداية يستدعي عدم الإكثار من نثر الوعود على الناس، بل على العكس يجب مواجهتهم بالحقائق وإن كانت صعبة، لأن إشاعة التفاؤل دونما استناد إلى عوامل موضوعية وموارد حقيقية مستدامة سيزيد من منسوب النقمة على الجميع، وسيفلت الأمر من سيطرة أي قوة تتصور أنها قادرة على احتواء الموقف والتحكم بمشاعر الناس. إن فتيل الانفجار ماثل أمام الجميع، على الرغم من محاولة بعض من الناس تجاهل ما يدور فعلياً على الأرض لأن الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات والتسيب الأمني بلغت حداً سيصعب التحكم في مخرجاته ما لم تتم معالجة أسبابه فوراً.
إن ما أتحدث عنه ليس تشاؤماً ولا علاقة له بالرغبة في النقد، وإنما تصميم على إظهار الحقيقة المجردة، وصرخة يجب أن تصل إلى الجميع، فالكل يعلم أن الوقت المتاح ليس طويلاً أمام مجلس القيادة الرئاسي لإظهار خطة عملية قابلة للتنفيذ لانتشال الناس من الهاوية التي يستقر فيها اليمنيون جنوباً وشمالاً، وليس واضحاً للناس بعد مرور ما يقارب الثمانين يوماً أن المجلس قادر على إعلان هذه الخطة عدا تشكيل اللجان للقيام بمهمات لا تبدو عملية ولا قابلة للتنفيذ.
لقد تحدثت مراراً عن أن الحديث عن دمج القوات العسكرية الخاضعة لقيادات متصارعة، التي تشكلت لأهداف متناقضة، هي فكرة وطنية عظيمة، ولكنها بالمطلق غير عملية وغير قابلة للتنفيذ الآن، واقترحت عوضاً من ذلك إنشاء غرفة عمليات مشتركة لهذه القوات تكون مهمتها الفورية الوحيدة ضبط الأمن في عدن والمحافظات الجنوبية بدايةً. إن حجم التنافر بين مكونات القوى المسلحة بلغ حداً يصعب معه التفكير في دمجها قبل توحيد رؤى قياداتها حول مشروع يلبي احتياجات الناس أولاً، مع التذكير بأن المهمة الأولى التي أوكلت إليهم في 7 أبريل 2022، هي البحث عن سبل الدخول في مشاورات سياسية تفضي إلى وقف الحرب نهائياً.
من المهم إدراك أنه ليس كافياً القول إن الأعباء الواقعة على كاهل مجلس القيادة الرئاسي هي نتاج تراكم الإهمال والفساد وعدم المحاسبة على مدى السنوات السبع الماضية، ولكنها أيضاً نتيجة فاضحة لتآكل الأحزاب وتراخي قياداتها، إذ استرخت في دورة الصمت عن كل السلبيات التي حدثت تحت مرأى الجميع ولم تحاول وقفها، بل على العكس من ذلك كانت تبررها وتستفيد منها لحسابات خاصة.
لقد تخلت الأحزاب عن مهمتها في الاقتراب من الناس والتعبير عن آرائهم وأفكارهم، وفضلت قياداتها التماهي مع الحاكم والاستفادة من قربها منه، وإذا ما استمرت اليوم في ممارسة الأسلوب ذاته، فإنها سترسخ في الأذهان أنها عاجزة عن التعبير عن قضايا الناس وغير معنية بها أصلاً، وهكذا تكون تركت الساحة حكراً على تنظيمات غير منضبطة وغير معترِفة بالدولة القائمة، على هشاشتها، كمظلة تحمي الجميع.
إنه لمن الحيوي أن يعي أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مجتمعين أن المواطن البسيط فقد الثقة بكل ما يعلنه من إجراءات وتعيينات، بل على النقيض فهو ينظر إليها كمحاولة للإلهاء والانشغال بما لا يعود بالنفع على المصلحة العامة. كما أن قضية الجمع بين المهمات السيادية لبعض الأعضاء ومهماتهم المحلية تثير لغطاً كبيراً ولا يُستحسَن الإبقاء عليها قضيةً مفتوحة إلا إذا كان هؤلاء غير مقتنعين بأهمية الموقع الأعلى الذي تم وضعهم فيه، ويرون أنه أقل فائدة لهم من الموقع المحلي على الصعيدَين الشخصي والوطني.
تبقى قضية أعيد التأكيد عليها، وهي تضارب الصلاحيات بين اللجنة الاقتصادية التي تشكلت في 7 أبريل الماضي والمؤسسات الحكومية المعنية بالقضايا النقدية ووضع السياسات المالية، وعلى مجلس القيادة الرئاسي الوقوف بحزم إزاءها، لأن ذلك ينعكس على مجمل النشاط المالي وثقة الناس بها والتعامل مع المؤسسات المالية الخارجية. كما أن استنساخ مؤسسات دون توضيح مهماتها بدقة يجعل الاضطراب الإداري مستمراً ويفتح باباً للمضاربة في العملة ومزيد من انهيارها.
سيبقى الناس مترددين في منح ثقتهم للمجلس الجديد وغير مكترثين بما يتم الإعلان عنه، ولكي يتمكن من إحداث تغيير إيجابي في الوعي العام تجاه سلطات الدولة، فإن عليه العمل سريعاً لإيجاد حلول لقضايا أدرك أنها معقدة، لكنه في الأساس جاء لوضع قواعد عملية للتعامل معها، ومن المؤسف أن الذي يراه الجميع، عدا جوقة حملة المباخر المعروفين، مثير للشكوك حول قدرة المجلس على التماسك حول القضايا الكبرى التي تواجه اليمن جنوبه وشماله، وهي مترابطة لا يمكن حل بعضها وترك بعضها الآخر.