الرئيسية / مقالات رأي / المدرسة الواقعية وحرب أوكرانيا

المدرسة الواقعية وحرب أوكرانيا

بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- تعيش المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية أزهى لحظاتها مع تفجر الحرب الأوكرانية وتطورها والبحث عن حلول سياسية لها. وعلى الرغم من أن جذور الفكر الواقعي في فهم التفاعلات الدولية يمكن أن تُرد إلى العصور القديمة، فإنه من المسلّم به أن تربّعها على عرش المدارس التحليلية للعلاقات الدولية قد حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، على أنقاض المدرسة المثالية التي حلمت بأن تكون الحرب العالمية الأولى آخر درس للبشرية كي تسير على طريق السلام والقانون الدولي والحكومة العالمية. كما بدا أن البعض يتخيل أن تكون المنظمة الدولية التي أُسست بعد الحرب (عصبة الأمم) نواة لها، لكن كل هذه الأحلام ذهبت أدراج الرياح بتفجر الحرب العالمية الثانية التي كانت خير دليل على صحة منطلقات المدرسة الواقعية التي تنظر للعلاقات الدولية باعتبارها ساحةً تفتقر إلى السلطة الآمرة، ومن ثم فهي تتسم بالفوضى، وتتبارى فيها الدول لتحقيق مصالحها. وتتحدد حصيلة هذه المباراة العالمية وفقاً لعامل أساسي، إن لم يكن وحيداً، وهو القوة. فالدول تحقق مصالحها بقدر قوتها، وهكذا فإن مفتاح فهم العلاقات الدولية وفقاً للمدرسة الواقعية هو هاتان الكلمتان السحريتان: المصلحة والقوة وما ينتج عن تفاعلهما من توازنات يمكن أن تؤسس لحالة من الاستقرار ولو إلى حين، أو من اختلالات في التوازن يمكن أن تفضي لصراعات جديدة.

وتبدو الأزمة الأوكرانية، منذ بدايتها وحتى الآن، تجسيداً لمقولات المدرسة الواقعية، في تفجرها وتطورها وآفاق الحل السياسي لها. فقد أفرزت الطريقة التي انتهت بها الحرب الباردة ميزاناً مختلاً للقوى بين المعسكر الرأسمالي المنتصر بزعامة الولايات المتحدة وفراغاً خلَّفه تفكك الاتحاد السوفييتي ومعسكره الاشتراكي الذي أصبح أثراً بعد عين. وزاد الطينَ بلةً أن روسيا شهدت في ظل رئاسة يلتسين عقداً من التردي لم يُقَدر لها الخروج منه إلا بعد وصول بوتين لرئاستها عام 2000. وفي الوقت نفسه تفتحت شهية التحالف الغربي على تطويق العملاق الروسي تحسباً لصحوة جديدة، فابتلع حلفُ الأطلسي بالتدريج أعضاءَ «حلف وارسو» الذي كان التعبير التنظيمي عن المعسكر الاشتراكي بزعامة السوفييت، بل ضم جمهوريات البلطيق الثلاث التي كانت أصلاً جمهوريات سوفيتية (ليتوانيا-لاتفيا-استونيا). وقد حاول بوتين منذ توليه السلطة أن يؤسس لعلاقة بين بلاده وحلف الأطلسي تنطوي على ضمانات أمنية متوازنة للطرفين من وجهة نظره دون جدوى، ثم وصلت مسألة توسع «الناتو» باتجاه روسيا إلى أوكرانيا التي يتداخل تاريخها مع التاريخ الروسي وتلاصق روسيا جغرافياً، بل وتحدث رئيسها عن إحياء الخيار النووي الأوكراني الذي تخلت عنه طواعية في عام 1994 مقابل ضمانات لأمنها. وهنا رأى الرئيس الروسي أن التهديد الأمني لبلاده تجاوز حد الخطر، فقام بعمليته العسكرية في فبراير الماضي. وقد يُقال إن التهديد لا يقل فداحة عن انضمام جمهوريات البلطيق الثلاثة للحلف في عام 2004، فلماذا صمت بوتين في عام 2004 ولم يصمت في عام 2022؟

تقدم المدرسة الواقعية الجوابَ ببساطة: لأن بوتين لم يكن آنذاك قد أنجز عملية إعادة بناء القوة الروسية، وبالتالي فإن روسيا لم يكن بمقدورها أن تتحمل تكلفةَ تحدي التحالف الغربي.

وعندما بدأ القتال توقع الكثيرون انتصاراً سريعاً لروسيا، اعتماداً على الخلل في ميزان القوى بين روسيا (الجيش الثاني عالمياً) وأوكرانيا (الجيش رقم 22)، لكن المعادلة ليست ثنائية، فقد دخلت الولايات المتحدة على رأس التحالف الغربي في المعادلة لأن استنزاف روسيا هدف استراتيجي لها. بل ثمة اتجاهاً يرى أن الغرب استدرج روسيا أصلاً لهذا الفخ تحقيقاً لهذا الهدف، وبالتالي طالت الحرب بنفس التفسير الواقعي.. فهل ترى المدرسةُ الواقعيةُ أفقاً لتسوية سياسية؟ سؤال يستحق محاولة الإجابة.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …