بقلم: أولغا لوتمان
الشرق اليوم- احتدم الجدل حول صحة الرئيس الروسي في فبراير، قبل غزو أوكرانيا مباشرةً، فتفاجأ أكثر المراقبين احترافية بسلوكه الغريب خلال لقاء متلفز مع كبار المسؤولين، واعتبرت معظم التعليقات اللاحقة سلوكه غريباً ومريباً وغير متّزن.
ثم احتدم النقاش لاحقاً حول إصابته بمرض نفسي، بما أنه اتخاذ قراراً انهزامياً بإطلاق حرب شاملة وغير مبررة ضد جارة روسيا السلمية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بوتين بدا «جامداً ومرتاباً» بعد لقائه به، حتى أنه اعتبره «أكثر عناداً وعزلة» مما كان عليه في الماضي. وفي 29 مايو، كتبت أربع صحف شعبية بريطانية أن مصادر الاستخبارات البريطانية تظن أن بوتين مات أصلاً ويُستعمَل أشباهه لإخفاء موته، وذكرت صحف أخرى أن بوتين لن يعيش لأكثر من ثلاث سنوات، وسرعان ما انضمّت الاستخبارات الأميركية إلى هذه الموجة من الشائعات، فذكرت أن بوتين تلقى علاجاً للسرطان في أبريل ونجا من محاولة اغتيال في مارس. نفى الكرملين هذه الادعاءات كلها طبعاً، لكن بالنسبة إلى نظام يبرع في إخفاء الحقيقة وإطلاق حملات التضليل، ما سبب تسريب هذه المعلومات كلها ومن له مصلحة في نشرها؟ مع اقتراب انتخابات 2018، أعلن عالِم السياسة والأستاذ السابق في «معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية»، فاليري سولوفي، أن مسيرة بوتين انتهت، وبدأت مقالة على قناة «إنش تي في» بالعبارة التالية: «انتشرت شائعات في السابق حول تنحي فلاديمير بوتين لأسباب صحية، لكن يبدو الخبر هذه المرة أكثر إقناعاً»، وذكرت تلك المقالة المقابلة التي أجراها سولوفي، وكتبت أن بوتين يوشك على تقديم استقالته، وأن انتخابات جديدة قد تحصل في 2017، قبل انتهاء ولايته، ولم يتحقق هذا التوقع طبعاً، لكن تصدّر سولوفي عناوين الأخبار مجدداً في 2020. بعد فترة قصيرة على إعلان فوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الأميركية، ذكرت صحف شعبية بريطانية أن سولوفي كشف أن بوتين خضع لجراحة لاستئصال السرطان في فبراير 2020، وفق مصادره التي تشمل مسؤولين في صلب صناعة القرار في روسيا، وقال المصدر نفسه إن بوتين مصاب بمرض الباركنسون وأعلن مجدداً أنه سيترك السلطة في 2021. أخيراً، ذكر عنوان صحافي بارز في وسائل الإعلام الروسية، في يوليو 2020، أن طبيباً معروفاً في روسيا يزعم أن بوتين مصاب بالجذام. لا يمكن التأكيد على الغاية الكامنة وراء نشر هذا النوع من الشائعات، علماً أن بعضها يشتق منطقياً من أجهزة الاستخبارات الروسية، فهل تهدف هذه الأخبار إلى تحويل الأنظار عن الأحداث الحقيقية، أم كشف الأفراد والجماعات التي تطمح إلى تسلم السلطة في روسيا، أم أنها تنشر آمالاً زائفة حول حصول تغيير وشيك؟ في مطلق الأحوال، حتى لو كان بوتين مصاباً بمجموعة غريبة من الأمراض السرطانية المزعومة أو باضطرابات جسدية ونفسية أخرى تُهدد حياته، من الواضح أنه ونظامه ارتكبوا عدداً هائلاً من الأعمال الوحشية والاغتيالات، وأطلقوا عمليات تخريبية وحملات معادية للديموقراطية، وشنّوا اعتداءات حربية كيماوية وإشعاعية، وارتكبوا جرائم حرب في أوكرانيا، وسورية، والشيشان، وجورجيا، وجمهورية التشيك، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، ودول أخرى.
أخيراً، يجب ألا يصبّ التركيز على صحة الرئيس الروسي، بل يُفترض أن يحضّر المعنيون استراتيجية فاعلة لكبح نظامه وتدمير النهج الفاسد والوحشي الذي ينتج قادة مثل ستالين وبوتين، ولا مفر من موت هذا الدكتاتور أو رحيله من السلطة يوماً، لكن يتعلق الخطر الحقيقي باستبداله بحاكم سيئ أو أسوأ منه.