الرئيسية / مقالات رأي / ضربة مطار دمشق رسالة مزدوجة: “عود ثقاب” قد يشعل المنطقة!

ضربة مطار دمشق رسالة مزدوجة: “عود ثقاب” قد يشعل المنطقة!

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- كانت الضربة الإسرائيلية الصاروخية الأخيرة التي استهدفت مطار دمشق الدولي الأقسى منذ أعوام طويلة. لم يسبق أن تعطل مطار دمشق (عدا أيام الثورة التي تمكنت من محاصرة منطقة المطار) كما حصل في الأيام الماضية. الضربة كانت قوية، ولم تستهدف على جاري العادة مقار ومخازن صواريخ ومسيّرات تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني فحسب، بل تعدتها الى ضرب مدارج في المطار وقاعات استقبال مخصصة لزوار مهمين (يقال إنها قاعات يستقبل فيها ضباط إيرانيون لا يعبرون من القاعات المدنية) وأبراج مراقبة. هذه الضربة كانت موجهة الى الإيرانيين الذين وسعوا من تمددهم في سوريا أخيراً، لا سيما إثر بدء روسيا سحب عدد من كتائب القوات الخاصة، ومعها ضباط من أجل إعادتهم الى بلادهم بسبب الحرب المستعرة في أوكرانيا.

فليس سراً أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تسر وفق ما خطط له الكرملين، ويبدو أن الجيش الروسي، وعلى الرغم من تحقيقه تقدماً في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا، غرق في مستنقع الحرب التي يخوضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة، الأمر الذي حال حتى الآن دون انهيار الجيش الأوكراني واحتلال أراض أوسع من المناطق الشرقية في الدونباس وبعض المدن. هذا الواقع لم يعد يخفى على أحد، قدرات الجيش الروسي التقليدية صارت على المحك، والخسائر كبيرة جداً في العدة والعديد، والتمدد في سوريا الذي كان بلغ أوجه في مرحلة التدخل الروسي، باكثر من 57 ألف ظابط وجندي انتشروا في العديد من المناطق من الشمال الى الشرق، وصولاً الى العاصمة دمشق وريفها، ثم منطقة حوران والسويداء. هذا الانتشار تراجع ولا يزال، ما دفع طهران الى توسيع تمددها من أجل الاستفادة من خلو الأرض لها لكي تحل مكان القوات الروسية.

ومع تمدد الإيرانيين، عاد التوتر ليرتفع مع الإسرائيليين الذين كثفوا من غاراتهم على مواقع “الحرس الثوري” ومليشياته، وبينها “حزب الله”. الهدف هو  مخازن أسلحتها المتطورة. هذا المعطى الجديد على الأرض يوتّر الإسرائيليين. ويوتّر أيضاً الجار في الجنوب، أي الأردن الذي يواجه الكثير من التحديات الأمنية عبر الحدود مع سوريا، أهمها تسلل عناصر متطرفة وتهريب المخدرات بكميات هائلة تقوم بها عصابات تمتلك قدرات عالية، وتتمتع بغطاء أمني وعسكري تؤمنه جهات أمنية في النظام ومعها ميليشيات إيرانية منتشرة من دمشق وصولاً الى درعا والحدود مع الأردن. ويقوم الأردن بعمليات أمنية وعسركية يومية لمواجهه حملة التهريب الواسعة الآتية من سوريا.

في مكان آخر لا بد من الإشارة الى أن سوريا، التي كانت دول عديدة قد عقدت العزم على إعادة الوصل مع النظام فيها، عادت لتصير ارضاً سائبة بسبب ضعف النظام وتهالكه بعدما صار ساحة إقلمية ودولية لتصفية الحسابات. فبالاضافة الى الإيرانيين   والروس، نجد الأميركيين والاتراك والإسرائيليين يحتلون الأرض والأجواء!

بالعودة الى الضربة الإسرائيلية الأخيرة، فهي رسالة مزدوجة وجهت الى الإيرانيين والنظام على حد سواء مفادها أن استخدام مطار دمشق الدولي لتهريب الأسلحة المتطورة، وخصوصاً مكونات صواريخ باليستية عالية الدقة الى سوريا، ثم الى لبنان ستواجه بقوة أكبر. والضربة على المطار تذكر الرئيس السوري بأن قصر المهاجرين ليس بعيد المنال. كل ذلك يحدث وسط ارتفاع حدة التوتر الإقليمي على خلفية قرب انهيار الاتفاق النووي الإيراني، ومفاوضات فيينا. ففي الأسبوع الأخير، وجه مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بغالبية ساحقة إدانة لطهران، لعدم التزامها القيود المفروضة على برنامجها النووي، ولعدم تقديمها إجابات مرضية بشأن كميات من اليورانيوم اكتشفها مفتشو الوكالة قبل عدة اشهر في ثلاثة مواقع غير معلنة في الأساس.

ومع الرد الإيراني بوقف عمل 27 كاميرا مراقبة تابعة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في المنشآت النووية الإيرانية، يمكن القول إن طهران رفعت رهاناتها بوجه المجتمع الدولي. هذا ما يقلق إسرائيل، ومعها دول المنطقة، وهي بشكل عام مقتنعة بأن هدف طهران هو إنتاج قنبلة نووية، وليس احياء الاتفاق النووي للعام 2015. وتعرف إسرائيل أن يوم المواجهة مع إيران لمنعها من الاستحواذ على القنبلة النووية اقترب كثيراً. من هنا فهي تحتاج الى عقد تحالفات أمنية عسكرية في المنطقة من أجل التحضير للمواجهة في حال حصولها. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تترنح الآن، ويمكن أن تسقط، غير أن المؤسسة العسكرية ثابتة، وتعمل بصرف النظر عن الأزمة السياسية الحالية.

لقد كان لافتاً التقرير الذي أذيع على “القناة 12” الإسرائيلية هذا الأسبوع، ويتحدث عن مباشرة إسرائيل نشر بعض منظومات الردار في بعض الدول العربية بهدف مواجهة التهديدات الإيرانية الصاورخية وخلق نظام إنذار مبكر. وقد اشارت القناة المذكورة الى أن الرادارت نجحت قبل فترة في اعتراض طائرات مسيّرة فوق الأجواء العراقية بعدما أطلقت من إيران في اتجاه إسرائيل.

هذا الجهد العربي – الإسرائيلي لمواجهة التهديدات الإيرانية أصبح حقيقة، ويحتاج الى الرافد الأميركي من أجل أن يتطور أكثر من أجل بلورة تحالف عربي – أميركي – إسرائيلي للتوازن مع قدرة الإيذاء الإيرانية. في هذه الحالة يمكن القول إن موازين القوى ليست في مصلحة طهران وميليشياتها المنتشرة في العديد من الدول العربية. وبحسب تقديرات مصدر دبلوماسي عربي في بيروت، فإن القوة الجوية العربية – الإسرائيلية المدعومة باللوجيستية الأميركية ساحقة، ولا يمكن أن توازيها مئات أو آلاف الصواريخ الإيرانية التي تطلق من إيران، أو العراق، أو سوريا أو لبنان. ويضيف المصدر ما معناه أنه إذا ما توصل الأميركيون الى إنجاز اتفاقية أمنية بينهم وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي الست والأردن والعراق، فإن دمج الدفاعات الجوية بين الدول الموقعة على الاتفاقية الأمنية سيشكل أكبر ضربة لقدرات إيران وتهديداتها الصاروخية.

المنطقة واقفة على صفيح ساخن. فبين أزمة النووي الإيراني وتمدد “الحرس الثوري” وميليشياته في العديد من الدول، وعودة سوريا لتكون ساحة لتصفية الحسابات، في مقابل تطور العلاقات العربية – الإسرائيلية على جميع المتسويات، فإن “عود ثقاب” واحداً قد يشعل المنطقة. 

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …