بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على إبقاء تايوان واحدة من أهم الأوراق التي يمكن استخدامها كمدخل لاحتواء القوة الصينية الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً، وإن اختلفت أساليب هذه الإدارات في التعامل مع هذه القضية التي كانت تخبو أحياناً ثم تتحول إلى بؤرة خطيرة للتوتر بين بكين وواشنطن في معظم الأحيان.
منذ مجيء إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، تغير أسلوب التعامل الأمريكي مع الصين عما كانت عليه الحال إبان فترة إدارة ترامب السابقة، وإن كان هذا التغيير يطال الشكل لا المضمون، حيث لم تتردد إدارة ترامب في إبداء استعدادها لإشعال حرب مباشرة مع الصين، ومهدت لذلك بحرب تجارية واقتصادية وعقوبات قاسية على بكين، وصولاً إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية. لكن إدارة بايدن التي استبدلت “القبضة الحديدية” ب “القفاز الحريري” اتخذت منحى آخر يقوم على احتواء الصين من دون التخلي عن أهدافها الأساسية، وبالتالي فإنها لم تبق العقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة فحسب، بل أضافت إليها عقوبات جديدة، لكن الأهم أنها سارعت إلى تشكيل حلفين أمنيين عسكريين من خارج دول حلف “الناتو”، أحدهما تحت اسم “أوكوس” ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، والآخر تحت اسم “كواد” ويضم إلى جانب الولايات المتحدة كلاً من اليابان وأستراليا والهند، وذلك بهدف محاصرة الصين وبحرها الجنوبي وضمان السيطرة على الخطوط البحرية في المحيطين الهندي والهادي.
والأكثر أهمية أن واشنطن جددت تمسكها بسياسة “الغموض الاستراتيجي” حيال تايوان من دون أن تتخلى عن التدخل وخلق المشاكل للصين في البؤر الساخنة، في تايوان وهونغ كونغ والبحر الجنوبي، تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ورفض التسليم بالنفوذ الصيني على بحرها الجنوبي.
ومنذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا، تزايدت مخاطر احتمالات اندلاع حرب في تايوان، إذ إن كل الأنظار اتجهت إليها باعتبارها الجهة التالية المرشحة لهذه الحرب، لكن الجميع ظل يترقب أداء القوات الروسية والنتائج التي يمكن أن تسفر عنها عمليتها في أوكرانيا.
ثمة مقدمات لهذه الفرضية بدأت تظهر بالفعل في الأفق، فالتوتر المتزايد الناجم عما يسمى ب “الاستفزازات” المتبادلة بين الطائرات الصينية وطائرات الدول الحليفة لواشنطن (الأسترالية والكندية..) قرب أجواء تايوان وفوق بحر الصين الجنوبي، والتسليح الأمريكي المتواصل لتايوان، وإبرام واشنطن اتفاقات تجارية معها والتعامل معها كدولة مستقلة، خلافاً للاتفاقات مع بكين، التي أفسحت المجال لمنح تايوان حكماً ذاتياً كحد أقصى، كلها مؤشرات على إمكانية اندلاع حرب في تلك المنطقة.
وكما هي العادة بالنسبة للديمقراطيين الأمريكيين، فإنهم يوثرون عدم الدخول في حرب مباشرة، والاكتفاء بدعم الحلفاء، كما هي الحال في أوكرانيا وغيرها. هذه التطورات المزعجة بالنسبة لبكين وربما المغرية لواشنطن، دفعت وزيري دفاع البلدين إلى اللقاء وجهاً لوجه، على هامش اجتماع أمني في سنغافورة، انتهى في الواقع، إلى تهديدات وتحذيرات متبادلة، لكن الحزم الصيني كان أكثر وضوحاً في إبلاغ واشنطن بأنها لن تتردد في خوض الحرب إذا تحركت تايوان نحو الاستقلال، باعتبارها جزءاً من الوطن الأم.