بقلم: ادم ابكر عيسى – صحيفة “الراكوبة”
الشرق اليوم – إن تحدي الانتقال واجهته معضلات عديدة وعظيمة مردها إلى نمط تفكير المكونات السياسية للانتقال والتي تري قضايا بزوايا مختلفة، تقدم فيها البعد المصلحي لمكاسبها الآنية وتقسيم الكعكة دون شمولية متطلبات الواقع السياسي في طبيعة الصراع والنظام السياسي والاجتماعي، إذ لابد من التفريق بين الدولة والحكومة – الثابت والمتغير – فالدولة ملك الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والعرقية والايدلوجية والأساس فيها شروط الخدمة مع إدخال معالجات لإزالة التشوهات والاختلالات التي ضرب هياكلها من فساد ومحسوبية لتعمل لاجل الوطن تخدم أهداف الدولة، لكن وفق قانون متفق عليه من الشعب ، الأخيرة – الحكومة – فهي مجرد جهاز خدمي يأتي بالحزب الفائز للحكم . أيضا هنا مطلوبات الدولة التي ينبغي أن تكن وفق رؤية علمية تأسس لاستدامة المؤسسات ، دون أن تطغى عليها مصالح السياسية الضيقة ، واستخدام لافتات باسم الشعب والثورة لنيل أكبر مكاسب على حساب الوطن.
ولتحقيق الديمقراطية لابد من إقامة مؤسسات دستورية راسخة محصنة تعمل على إزالة أي تشوهات سابقة اقعدت الوطن ستة عقود ماضية ما بين الانقلابات والثورات والديمقراطيات الهزيلة ، ولابد من تقديم تنازلات عميقة وغرس ثقافة سياسية جديدة تعلي من قيم الوطن فوق الذات واحترام خيارات كافة أبناء الوطن دون تمييز على أساس إثني أو عرقي أو طائفي أو جهوي لتكون المواطنة المتساوية أساس للحقوق والواجبات.
كذلك مهم جداً أن يحدد أي حوار قادم ماهي واجبات الدولة على الشعب قبل تحديد حقوق الدولة، لتأسيس علاقة جديدة بين كافة الأطراف الاجتماعية.
الحوار تحتاج إلى مراحل فالمرحلة الأولى بين مكونات الثورة السودانية للتوافق حول متطلبات الانتقال وشكل المؤسسات وتحصينها لتشمل المكون العسكري وقحت واخواتها ولجان المقاومة على امتداد الوطن دون حصر التمثيل علي المركز فقط، إذ أن أحد مسببات أزمات الوطن التفكير المركزي لقضايا الأقاليم والتحدث باسمها، فلا أحد يعبر عن الآخر.
المحور الثاني متعلق بمعالجة كافة أسباب الحرب ولإحلال السلام لابد من حوار شفاف وعميق حول مطلوبات السلام. ولايمكن أن يتحقق انتقال ديمقراطي ودستوري في وجود سلاح مرفوع أو ارهاب فكري واجتماعي وآخرين هم في معسكرات النزوح واللجؤ والمهجرين والذين خارج عملية السلام وحتى الذين لهم اتفاقيات سابقة مع الحكومة السودانية.
الملف الأمني ودمج كافة المقاتلين في القوات النظامية خطوة مهمة في تحصين الانتقال دون النظر إلي المكاسب الآنية التي جاءت عبر السلام أو التي سوف تأتي من اتفاقيات قادمة أو سابقة الأهم تمزيق فاتورة الحرب وتحصين الدولة من أي انقلاب عسكري في المستقبل فالرؤية القاصرة تولد أزمات ونزاعات جديدة وفاتورها ستكون أكبر.
لخروج الجيش من الحياة السياسية لابد من التزام كافة الأطراف السياسية التزاماً أخلاقياً بعدم تجنيد عناصر لها داخل الجيش، والتوافق حول دستور جديد فيه ضمانات حقيقية للجيش ليمارس دوره وفق الدستور الجديد مع التزام الجميع بعدم استخدام وسائل غير سلمية وغير مشروعة في الوصول للسلطة.
فصل المؤسسة القضائية عن أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، مع اختيارها عبر الولايات من نادي القضاء بواقع اثنين من كل ولاية بعد أن يُتوافق عليها من نادي القضاء في الولاية تتم اختيارهم لمدى الحياة. في حالة وفاة إحدى أعضاء المحكمة العليا تنتخب الولاية المعنية عضوا جديداً لها.
لا أرى أهمية لمؤسسة تشريعية في ظل الفترة الانتقالية باعتبارها لا تمثل المجتمع السوداني، لأن عملية اختيارها تفتقر لأبسط مقاومات العملية السياسية والنائب هو ممثل لدائرة جغرافيا معينة.
الحكومة الحالية مهمتها تهيئة الوضع لانتقال الديمقراطي ثم تحول ديمقراطي مستدام غير قابل للانقلاب عليه ليبقي الأساس فيه هو المكونات الثلاثة عبر مراحلها للحوار لتصل إلى خلاصات من أجل الوطن .
المرحلة الثالثة قيادة حوار مع كافة أطراف المصلحة الوطنية والسياسية للتوافق حول ماهية الوطن وقضايا الانتقال مدعوم بالخبراء لصياغة نظام سياسي راسخ وفق القانون وإصلاح كافة المؤسسات مع تضمين مقترحات وأفكار المجتمع دون وصايا أو إقصاء الآخر.
تظل إرادة الشعب السوداني المتمثلة في الأقاليم والولايات والمحليات والوحدات الإدارية مهم جدا في نجاح الحوار بعيدا عن أي اعتبار حزبي أو خاص.
إن صراع المصالح والشليليات هي التي أضرت بالوطن، خاصة حراس المعبد أصحاب الامتيازات والاعفاءات طوال تاريخ الدولة السودانية وعلينا التفكير في تأسيس دولة على مقاس الجميع، وهذا يحتاج إلى ممارسة نقد ذاتي داخل المكونات السياسية ومراجعة عملية صناعة القرار واتخاذها لمصلحة الديمقراطية. ولا يمكننا أن نتحدث عن انتقال والمكونات ذاتها لا تعرف طريق الانتقال أو الديمقراطية داخلها، كذلك مع إصلاح منظمات المجتمع المدني وجماعات الضغط السياسي لتمارس دورها الرقابي لصالح الانتقال لا لصالح أيديولوجيات سياسية معينة.