بقلم: سليمان جودة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- دخلت الحرب الروسية على أوكرانيا يومها الأول بعد المئة في الخامس من هذا الشهر، وكانت قد بدأت في الرابع والعشرين من فبراير من هذه السنة. وعلى الرغم من تجاوزها مئة يوم، فإنه لا أفق حتى اللحظة ينبئ بنهاية قريبة لها تنقذ طرفيها من نزيف لا يتوقف في العتاد، وفي المال وفي الجهد وفي الوقت، وفي البشر أنفسهم قبل ذلك كله، ثم لا أفق أيضاً ينقذ العالم مع طرفيها من نزيف آخر يتبدّى كأفدح ما يكون في ارتفاع للأسعار لا مثيل له من قبل.
وربما كان السبب في عدم وجود أفق تتوقف عنده هذه الحرب العبثية، أن الهدف المعلن من ورائها لدى طرفيها، يبدو غامضاً لا وضوح فيه.
إن روسيا باعتبارها الطرف الأول تقول على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، إن العملية العسكرية التي أطلقتها في فبراير/شباط، لن تتوقف حتى تحقق أهدافها، وهو يقول ذلك ويكرره في كل مناسبة.
وفي المقابل لا يتوقف الرئيس الأوكراني زيلينسكي من جانبه، عن القول، إن بلاده لن تقبل وقف الحرب حتى يتحقق لها النصر، ومن دون أن يحدد هو الآخر ماذا يعني النصر الذي يريده ويسعى إليه، ولا ما هي حدوده التي إذا وصل إليها، صار نصراً بالمعنى الذي يعرفه.
وقد كان فيلسوف اليونان الأكبر سقراط على حق تماماً، عندما قال إن علينا ونحن نتحدث معاً، أن نحدد معاني الألفاظ التي نستخدمها في كلامنا، حتى لا نظل نتكلم عن أشياء مختلفة، بينما نتصور أننا نتكلم عن شيء واحد متفق عليه لدى كل الأطراف.
ومما يقال عن الفيلسوف سقراط إنه كان يطبق ذلك على نفسه، وكان إذا ألقى أحد عليه السلام استوقفه في الحال، ثم راح يسأله عن معنى السلام الذي يقصده، وعن معنى الخير إذا كانت تحيته مع الآخرين هي: صباح الخير! وكان القصد أن يتكلم الناس عن الشيء ذاته الذي يقصدونه إذا تواصلوا مع بعضهم بعضاً، وأن ينطلقوا في أحاديثهم معاً من أرضية واحدة مشتركة، لا من أرضيات متباينة ومتناقضة ومختلفة، ولا علاقة بينها في واقع الأمر.
شيء من هذا تستشعره إذا سمعت بوتين يقول إن عمليته العسكرية في أوكرانيا لها هدف لا بد من تحقيقه لتتوقف العملية، وتستشعره كذلك إذا سمعت الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وهو يتكلم عن نصر لا بديل عن تحقيقه من الجانب الأوكراني. ففي الحالتين لا تكاد تعرف ما هو النصر في عرف زيلينسكي، ولا ما هي طبيعة أو مواصفات الهدف الذي يرضاه بوتين فيوقف الحرب، أو يوقف هذه العملية العسكرية التي طالت بأكثر مما تطول في العادة أي عملية عسكرية.
وإلا فهل هناك عملية عسكرية تدخل يومها المئة دون سقف زمني لها، ودون أن يعرف متابعوها إلى أي مدى بالضبط، يمكن أن تصل؟
وسيظل ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما كانت الحرب في شهرها الثاني، هو طوق النجاة الذي لا بد منه بأي طريقة. كان رأي أردوغان أن على أمريكا وأوربا وحلفائهما، توفير مخرج للرئيس الروسي يستطيع من خلاله اتخاذ قرار وقف عمليته العسكرية بما يحفظ ماء وجهه، وبما لا يضعه في حرج سياسي أمام شعبه، أو أمام نفسه، أو أمام العالم.
إن الطرح التركي يظل طرحاً واقعياً تعرفه السياسة الدولية في مثل هذه المواقف، وتعرف أنه يبقى هو الحل الأقرب إلى الواقع العملي المتاح.