بقلم: د.سالم حميد
الشرق اليوم- ربما لفهم المشهد التونسي لا بد من الرجوع سنوات للوراء ومعرفة تفاصيل تحكم جماعة “الإخوان” بالدولة التونسية وأخونة مفاصلها، كطريقة لضمان البقاء في السلطة أو على أقل تقدير للاستمرار بالتحكم في البلاد على جميع المستويات. وهذا كان جلياً من خلال حشد الجماعة لمؤيديها في مؤسسات الدولة ليكونوا حجر عثرة أمام نهوض تونس، وكذلك توأمة تلك الجماعة مع حالة الفساد المتجذر في مؤسسات السلطة سواء التنفيذية منها أو التشريعية وحتى القضائية.
وتلك الأخيرة شهدت في هذه الفترة عملية تطهير على أعلى المستويات بهدف إبعاد القضاة الفاسدين أو المتورطين أو حتى المحسوبين على جماعة “الإخوان” أو الداعمين لها والذين وضعوا مصلحة الجماعة فوق عدالة القضاء بعرقلة النظر في قضايا مصيرية لا بد من البت بها لطي صفحة الماضي.
يكفي أن نتذكر قضية اغتيال الناشطَين شكري بلعيد ومحمد براهمي، التي لم يتم البت فيها وما تزال معلّقةً على الرغم من أنها تعود للعام 2013. ولنتذكر أيضاً تستر بعض القضاة على متهمين في قضايا إرهاب بعضهم من الجهاز السري لـ”الإخوان”، مما شكَّل تستراً على المجرمين وعدم ملاحقتهم، والتورط في قضايا فساد متشعبة ومتجذرة.
كل ذلك وغيره الكثير دفع الرئيس التونسي إلى إعفاء 57 قاضياً بتهم تتعلق بالفساد وبموالاة أحزاب سياسية وتعطيل سير العدالة والتستر على إرهابيين. فالتهم الموجهة لبعض منتسبي الجهاز القضائي تتعلق بتعطيل أكثر من ستة آلاف قضية، ضمنها قضايا إرهاب، بغية حماية شخصيات إخوانية، ناهيك عن الفساد واستغلال السلطة وغيره الكثير. ولكل ذلك كان لا بد من هذا القرار وإنهاء سيطرة القضاة الفاسدين وخلق مؤسسة قضائية تتمتع بالنزاهة والشفافية وتحظى بثقة واحترام جميع التونسيين.
واللافت هو حجم الحشد ضد خطوة الرئيس سعّيد، والتي يمكن وضعها في إطارين؛ الأول من الأشخاص الذين تداخلت مصالحهم مع مصالح الجماعة الإخوانية، أي مَن تورطوا مع الجماعة سواء من حيث الفساد أو حتى قضايا الإرهاب، وهؤلاء لا يريدون لعجلة تونس أن تدور كي تعود مؤسسات الدولة قويةً مستقلةً قادرةً على تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما الإطار الثاني فيعود لفئة أخرى قد تكون متوجسة من خطوات سعّيد وتعتقد أن سقف حريتها واستقلاليتها سيكون مهدداً، لذا يقومون بخطوات استباقية وتحركات احتجاجية، لكن على هذه الفئة أن تدرك أنه لقيام دولة قوية ومؤسسات مستقلة يتعين إسقاط المنظومة التي تشكلت في عهد “الإخوان”، ولا بد من قرارات لنهوض البلاد مرة أخرى، وعليهم الثقة بالرئيس الحالي وتحركاته لبناء الدولة الجديدة القادرة والمتمكنة.
المؤيدون لـ”الإخوان” يراهنون حالياً على حشد الشارع وإحداث الفوضى عبر جر الفئة الثانية التي تحدثتُ عنها، والتي تحمل تخوفاً على وضعها وسقف حريتها واستقلالية عملها، لذلك تنجر وراء “الإخوان”. ومع أن بعض هذه الجماعات ليس على اتفاق مع “الإخوان”، خاصة الجماعات اليسارية والاتحاد الوطني للشغل وغيرهم، ممن يتوجسون من تحركات الرئيس سعّيد.
وكان على هؤلاء اللجوء للحوار لطرح مخاوفهم ولتلقي الضمانات، وبذلك تظهر الجماعة الإخوانية جلية في ساحة المواجهة، ليس مع الرئيس ومؤسسة الرئاسة بل مع معظم الشعب التونسي التواق لحل الأزمة السياسية، وقبلها الأزمة الاقتصادية، حيث تعاني البلاد منذ سنوات تدهوراً اقتصادياً حاداً، فاقمته أزمة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة وأخيراً أزمة الغذاء مع استمرارية الحرب الأوكرانية. ولكل ذلك وجب أن تنتهي أزمة تونس بالحوار الوطني الشامل والكامل.