بقلم: سعد الدين ابراهيم – المصري اليوم
الشرق اليوم – بالغ فلاديمير بوتين كثيرًا في قوة روسيا والاستهانة بقدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها وقدرتها على المقاومة. كما أن بوتين لم يتوقع ردود فعل أمريكا والاتحاد الأوروبي وجيرانه المحايدين – السويد، والدنمارك، والنرويج، وفنلندا – والذُعر الذي أحدثه الاعتداء الروسي على أوكرانيا.. وهو ما دفع المُحايد من تِلك البُلدان طوال المائة سنة الأخيرة لطلب الانضمام إلى بُلدان حِلف شمال الأطلنطي، الأمر الذي تضاعف على طول الحدود المشتركة وما يستتبعه ذلك من مضاعفة الترتيبات والنفقات الدفاعية على الاقتصاد والمجتمع الروسي.
وربما كانت تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن بلادهم لن تتدخل عسكريًا لدعم أوكرانيا هو ما جعل بوتين يطمئن ويمضي بثقة إلى غزو أوكرانيا.
ورغم أن التاريخ لا يكرر نفسه، إلا أن هناك أوجه شبه في مسلسل الأحداث التي أدت إلى حرب الخليج الثانية – وهو غزو صدام حسين لجارته العربية المسالمة الكويت. فقد قالت السفيرة الأمريكية في العِراق أبريل جلاسبي قبل الغزو بعدة أسابيع، إن ما يحدث في الخليج هو شأن عربي خليجي ولا دخل لأمريكا به. وهو ما اعتبره صدام حسين بمثابة ضوء أخضر، فأقدم على حماقة الغزو في الأول من أغسطس 1990.
ورغم أن قوات صدام حسين قد نفذت الغزو في عِدة ساعات، إلا أنه كان بداية النهاية لنظامه في العِراق وسطوته في الخليج. فقد حشدت أمريكا والسعودية وثلاثون دولة أخرى من القوة ومن رباط الخيل ما أدى إلى تدمير قوات الغزو في الكويت ومعظم قوات الجيش العِراقي، وكذلك معظم مرافق العِراق ومراكزه العِلمية.
وإذا كانت مرافق ومؤسسات روسيا لم ينلها التدمير أو التخريب، إلا أن القوات الروسية التي احتلت حوالي رُبع أوكرانيا لم تستطع التقدم إلى العاصمة كييف، وتتعرض لحرب استنزاف يومية.
كما يبدو أن سوء الحساب وحجم الخسائر غير المتوقع هو ما أدى إلى مقتل أو انتحار سبعة من جنرالات الجيش الروسي، وفرار مئات الجنود تاركين دباباتهم ومركباتهم بعد أربعة وعشرين يومًا من بداية الغزو، وبعد أن فقدوا ذخيرتهم وغذاءهم دون إمدادات جديدة، حيث كان اعتقاد المخططين الروس في القيادة بالكرملين في موسكو أن قوات الغزو ستكون في العاصمة الأوكرانية كييف حيث الخير الوفير.
أما في روسيا نفسها، فإن كل ما سمح فلاديمير بوتين بنشره على الرأى العام هو أن القوات الروسية قد دخلت أوكرانيا في عملية خاصة للقبض على طُغمة من الأوكرانيين الذين يعتنقون المبادئ النازية الهتلرية.. ولأنه لا يسمح لأي أصوات أخرى من المعارضة بنقد أو مراجعة لسياساته، فإن الرأي العام الروسي لم يبدأ في معرفة ما يحدث إلا بعد أن أقفلت السلاسل التجارية الأمريكية والأوروبية فروعها فى موسكو وبقية المدن الروسية، مثل مطاعم ماكدونالدز وبيتزاهت، والبنوك الغربية، مثل باركليز وبنك أمريكا وغيرهما من البنوك، وكذلك فروع شركات الطيران الأجنبية فى موسكو والمدن الروسية الأخرى.
وقد تسرّبت أخبار وصور للشباب والأمهات الروسيات وهم يتظاهرون ضد الحرب في الميدان الأحمر قُرب الكرملين، بعد أن تزايدت أخبار القتلى والمفقودين من أزواجهن وأبنائهن.
ومع أن فلاديمير بوتين لا يزال قابضًا على السلطة في موسكو بيد من حديد، إلا أن الصورة التي دأب على تسويقها لبني وطنه قد اهتزت كثيرًا، فقد كانت وسائل الإعلام الروسية قد دأبت على تصويره وهو يكسب مسابقات السباحة، والرماية، وركوب الخيل.
كما أن الكشف عن حساباته وحسابات زوجته وبناته فى البنوك السويسرية والفيلات والشقق السكنية التي يملكها في باريس، ولندن، وجزر الباهاما، قد أحدث ضررًا كبيرًا في صورة الرئيس الروسي. وكما حدث في بُلدان أخرى في أوروبا الشرقية قبل أربعين عامًا، فإن جُدران الخوف تبدأ بالتشقق ثم تنهار. ويعتقد كاتب هذا المقال أن نفس السيناريو قد بدأ في روسيا البوتينية. والله أعلم.
وعلى الله قصد السبيل.