بقلم: ناصر زيدان – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- للممرات الآمنة، وللمناطق الآمنة، أهمية خاصة في العلاقات بين روسيا وتركيا، والدولتان تتشاركان في عدد من الملفات المهمة منذ القِدم، والمعابر المائية التركية التي تربط البحر الأسود مع البحر الأبيض المتوسط؛ تُعتبر شرياناً رئيسياً للاقتصاد الروسي ولقواتها العسكرية، وهي تصلها مع المياه الدافئة. وللبلدين صلات أخرى ذات أهمية استراتيجية على الساحة السورية، فهما يشرفان على المعابر الآمنة التي تصل إلى مناطق غير خاضعة للحكومة السورية في محافظة إدلب وفي شمال ريف حلب وعلى غالبية الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.
زيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الأخيرة إلى أنقرة، كانت بهدف التعاون لتأمين ممرات آمنة لشحنات القمح الأوكراني التي يحتاج إليها العالم لمواجهة أزمة غذاء مؤكدة، لكن المعلومات المُسربة من مصادر مختلفة تؤكد؛ أن المباحثات التي جرت بين الطرفين تناولت ملفات أخرى، إضافة للأزمة الأوكرانية، ومن هذه الملفات؛ العملية التركية التي أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن تنفيذها على طول الحدود التركية – السورية، لإقامة شريط حدودي بعمق 30 كلم داخل الأراضي السورية، يُبعد المنظمات الكردية المسلحة المعادية لتركيا عن حدودها، ويؤمن إيواء قسم كبير من النازحين السوريين داخل هذا الشريط، لتخفيف ضغط المعارضة في تركيا على حزب العدالة والتنمية قبل انتخابات الصيف القادم، لأن هذه المعارضة تنتقد سياسة أردوغان في التعامل مع النازحين الذين ينافسون اليد العاملة التركية، ويساهمون باستنزاف الاقتصاد.
تركيا لعبت دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، واستضافت مباحثات بين وفدي الفريقين في إسطنبول في مارس/آذار الماضي، وهي على علاقة وطيدة مع الدولتين المتجابهتين، ولديها مصالح مشتركة كبيرة معهما، كما لروسيا وأوكرانيا مصالح لا يمكنهما تجاهلها مع تركيا. ولأنقرة خصوصية دولية وإقليمية كونها عضواً في حلف “الناتو”، وتحتاج لموافقتها أي دولة تنوي الدخول في عضوية الحلف، وهي التي تحاول إيقاف عملية إدخال فنلندا والسويد رغم الإلحاح الأمريكي عليها لعدم الاعتراض. وروسيا تغتبط لهذا الموقف التركي وتستفيد منه، وبالتالي فهي تشجع أنقرة على لعب دور مُتقدم في الملف الأوكراني، نظراً لتمايز دورها عن دور شركائها في الحلف.
موافقة روسيا على مواكبة القوات التركية لسفن شحن القمح الأوكرانية عبر الممرات البحرية الآمنة، بعد إزالة كييف للألغام من أمامها؛ يعطي أنقرة مكانة متقدمة في الصراع الجاري، ويُؤهلها للعب دور مستقبلي في تسوية النزاع. لكن هذا الدور بدأ يثير غضب الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين، لأنهم يرغبون بأن تكون تركيا حليفاً لهم في صراعهم مع روسيا، وليس وسيطاً معها.
مجموعة من الأحداث والمواقف تساعد على الاعتقاد بأن العلاقات بين روسيا وتركيا قد تتطور نحو الأفضل، من هذه الأحداث ما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، ومنها مواقف ترتبط بملفات ساخنة خارج هذه الدائرة.
موقف الولايات المتحدة من العملية التركية في شمال سوريا؛ كان سلبياً، وأعلن المتحدث باسم الخارجية نيد برايس”أن العملية تهدد الاستقرار في المنطقة، وتعرض حياة الجنود الأمريكيين الموجودين في شمال سوريا للخطر، وقد تؤدي إلى عودة الأعمال الإرهابية، خصوصاً إحياء نشاط منظمة داعش”. والواضح أن واشنطن لا تستسيغ توسُّع الدور التركي، لا سيما إذا كان هذا الدور سيؤدي إلى ضرب حلفائها مثل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. وهي بالمقابل تخشى من أن تستفيد روسيا من موقف تركيا لفك عزلتها الدولية.
بالمقابل؛ فإن روسيا المتضررة من توسيع دور تركيا في شمال وغرب سوريا، لم تُبدِ اعتراضاً على الخطة التركية، كما لم تؤيدها. وهي ليست في صدد إعادة التوتر إلى العلاقات مع أنقرة في هذا التوقيت بالذات، وهي تهادن إلى أبعد الحدود.
الإيجابية الروسية في التعامل مع السياسة التركية لا ترتبط بموضوع تصدير القمح الأوكراني إلى الأسواق العالمية فقط، بل إنها تخفي توجهات استراتيجية قد تصل إلى حد التعاون في ملفات أخرى. ولروسيا مصلحة في توسيع التباين بين أنقرة وحلفائها في الأطلسي، وتجارب الماضي القريب أكدت استعداد الرئيس رجب طيب أردوغان للتعاون معها، وهو نفذ صفقة شراء صواريخ “أس أس 400 الروسية”، من دون أن يتأثر بمواقف حلفائه المعارضة للصفقة.