بقلم: محمد خلفان الصوافي – العرب اللندنية
الشرق اليوم – في كل مرة أقرأ فيها خبرا يتحدث عن إصابة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسرطان، تشيعه وتروّجه وسائل إعلام عالمية بناء على تقارير من الاستخبارات الأميركية، يتبادر إلى ذهني هذا السؤال: هل مشروع استعادة المكانة الدولية لروسيا وأمجادها التاريخية بيد رجل وحيد هو بوتين، وأن روسيا لا يمكن لها تحقيق أيّ شيء بغيابه لأيّ سبب كان؟
لكلّ مشروع قائد، هذا أمر لا يمكن الاختلاف عليه. لكن السؤال هنا مبني على فرضية أن بث هذا الخبر، غير بريء، وتكراره يهدف إلى خلق حالة من التشويش والنيل من الإعجاب الذي يحظى به بوتين على مستوى العالم، انطلاقاً من عنصرين اثنين. العنصر الأول: أنه ينبغي عدم النظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره نتيجة لسلوك استفزازي غربي، وإنما علينا البحث في الأسباب التي أدت إلى تلك النتيجة، وأصحاب هذه النظرة يمكن أن نطلق عليهم المعجبين القوميين أو الوطنيين.
العنصر الثاني لحالة الإعجاب تلك، أقرب إلى العاطفة التي لا وجود لها في العلاقات الدولية، وهو وقوف بوتين في وجه ظاهرة التنمر الأميركية، ومحاولة فرض إرادتها السياسية على باقي دول العالم. وما يؤكد تلك الفرضية أن مصدر الخبر أو المعلومة، التي نفاها أكثر من مسؤول روسي، هي الاستخبارات الأميركية، وهذا هو الدور المنوط بها. وللموضوعية نقول إن ظاهرة التنمر السياسي واستخدامها من قبل الدول ضد بعضها بعضا لا تردعها إلا القوة، لأن الدولة الضعيفة يتنمر عليها الجميع.
إثارة الرأي العام ضد النخب السياسية التي تسير عكس اتجاه الرغبة الأميركية، واختلاق سيناريوهات مشككة لمستقبل بلد مّا في العالم، مسألة قديمة وتثار كثيراً في الإعلام الأميركي، وهم يراهنون على أن الناس سوف يصدقونهم من منطلقات عدة أبسطها أنهم يمتلكون الحرية الإعلامية، وأنهم المصدر الحقيقي للمعلومة. إلا أن المزعج في الأمر ليس حالة غياب بوتين، فكل شيء وارد بمرض أو وفاة طبيعية، وإنما إصرار الإدارة الأميركية على إنهاء أزمة عالمية بانتظار وفاة شخص، أو شيطنته وتأليب العالم عليه كي يكرهوه، بدلاً من التفكير في إيجاد انفراجة في هذه الأزمة التي بدأت تداعياتها تؤثر على العالم.
بالعودة إلى النغمة السياسية والإعلامية لخبر مرض بوتين، وعنوانها الخفي أن استعادة أمجاد روسيا هو مشروع بوتين كشخص وليس كممثل لتيار سياسي معين موجود في روسيا، وبالتالي فإن وفاة بوتين أو غيابه بسبب مرض السرطان سيكون مناسبة للإعلان عن “وفاة المشروع”، وبالتالي على العالم تنفس الصعداء، أو على المبهورين بالزعيم الروسي بوتين أن يقتنعوا أن الأمر ليس أكثر من شعار وقتي سينتهي سريعاً.
قد يقتنع البعض بهذه النغمة ويرددها، لكن بتفكير أقرب إلى المنطق، ما كان للروس أن يخوضوا هذه اللعبة الخطرة، ويدخلوا ساحتها لولا أنهم كانوا مهيئين ومستعدين لكل الاحتمالات، بل ومقتنعين بأن الغرب ومعه الأميركان لن يُسهلوا لهم “طريق العودة” ليكونوا ضمن اللاعبين الكبار في العالم، وأن هناك بدائل لبوتين، وربما أكثر من بديل، لكن هذا لا يعني رفض سيناريو غياب بوتين فالخبر يحتمل الصدق كما يحتمل أن يكون خطأ.
لا يمكن أن ننكر أيضا أنه في حالة حصل ما يروّج له الإعلام وغاب بوتين فعلا عن المسرح السياسي بأن معنويات المؤيدين له ستتدهور وربما البعض سيتأثر بشكل كبير، إلا أن علينا استدراك أن الرئيس بوتين هو جزء أو فرد ضمن نخبة روسية جاءت بمشروع كبير قابل للاستمرار والحياة.
ما أظنه، أن المراكز البحثية ودوائر صناعة القرار الروسية قامت بعمليات دراسة لكل المتغيرات التي تحتاجها العملية واشتغلت بالطريقة التي تضمن لها العودة إلى طموحاتها الجيوستراتيجية.