بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من نهاية الشهر الرابع، ومع توقعات وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن بأن هذه الحرب سوف تطول، لا يوجد أي حديث عن «مبادرة دبلوماسية» تنهي الحرب وتوقف الصراع، ووصلت درجة «عدم اليقين» في نجاح أي تحرك سياسي أن المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل قالت إن أي وساطة من جانبها الآن ليس لها أي معنى.
ولا تتوقع منها أية نتيجة. لكن وسط كل هذه التقديرات بطول الحرب، وربما تمددها وتوسعها، وغياب أي «أفق سياسي» تبرز أهمية الحلول السياسية قبل فوات الأوان، فهل حان وقت الدبلوماسية أم أن معركة «تكسير العظام» و«عض الأصابع» بين أركان النظام الدولي ما زال أمامها فصول طويلة من الصراع؟
الجميع خاسر
كل المؤشرات تقول إن الجميع خاسرون في تلك الحرب ليس فقط روسيا وأوكرانيا بل أوروبا والولايات المتحدة وكل دول العالم تدفع الثمن، كما أن مسارات الحرب تقول إن الدبلوماسية وحدها هي القادرة على «حفظ ماء الوجه» للجميع، فروسيا تعترف أن خسائرها من الحرب أكثر بكثير مما توقعت، كما أن الثمن الذي تدفعه سياسياً واقتصادياً غير مسبوق.
حيث تم وقف خط نورد ستريم 2 الذي كان سيجلب لها سنوياً نحو 10 مليارات دولار، ومع نتائج الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية والغربية خسرت روسيا نحو تريليون دولار منها 300 مليار أموال وأرصدة وذهب في الخارج، و700 مليار أصول روسية تم تجميدها، ويجري التفكير في تحويلها لتمويل عمليات الإعمار في أوكرانيا.
كما أن عدم قبول أوكرانيا بالحياد قبل الحرب جعلها تخسر مناطق جديدة في دونباس وفي الجنوب، وقد تخسر مناطق أخرى إذا واصلت الحرب، وخلال شهور الحرب تعرضت البنية التحتية التي جرى العمل عليها خلال الثلاثين عاماً الماضية للتدمير، كما لجأ نحو 5 ملايين أوكراني إلى الخارج، ناهيك عن نحو 600 مليار دولار خسائر اقتصادية.
أما أوروبا فهي أيضاً تدفع الثمن وخصوصاً في ظل الضغوط بتخصيص مزيد من الأموال للإنفاق العسكري، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهو ما يهدد بتباطؤ أو انكماش اقتصادي غير مسبوق.
وحتى الولايات المتحدة التي تبدو بعيدة جغرافياً عن بؤرة الصراع ارتفعت فيها معدلات التضخم لأعلى معدل منذ ديسمبر عام 1981، ووصل سعر غالون البنزين في ولاية ميشغان لنحو 5.2 دولارات بما يهدّد حظوظ الحزب الديمقراطي في الحفاظ على الأغلبية بمجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، بل إن خسارة الحزب الديمقراطي لانتخابات التجديد النصفي قد تدفع الحزب للبحث عن بديل للرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس.
دبلوماسية مبدعة
الطبيعي أن يحاول كل طرف إخفاء خسائره، وانتظار أن تأتي الأوضاع الميدانية لصالحة، لكن وتيرة المعارك خلال الشهور الماضية تقول إن الحرب لن تحقق أهداف أي طرف، فحتى لو سيطرت روسيا بالكامل على إقليم دونباس سوف تتحول باقي المناطق الأوكرانية ومن خلفها الغرب لساحة لاستنزاف القوات الروسية في دونباس والجنوب.
كما أن إرسال الأسلحة الغربية لأوكرانيا لا يمكن أن يستمر للأبد، ويمكن أن يتسبب في توسيع دائرة الحرب خصوصاً مع الصواريخ ذات المدى الأبعد التي أقرها بايدن لأوكرانيا، كما أن مناورات حلف الناتو الأخيرة في بحر البلطيق والحشد الروسي قرب الحدود الغربية تخلق «بيئة مثالية» لتوسيع ساحة الحرب.
أمام كل المخاطر التي لا يمكن توقعها لا يوجد بديل سوى الجلوس على مائدة المفاوضات من جديد، فالآن حان وقت الدبلوماسية.