بقلم: ناجي شراب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تقدم الولايات المتحدة منذ نشأتها نموذجاً للديمقراطية ودولة المؤسسات الدستورية والحريات المدنية، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت تتكشف نقاط ضعف هذا النظام، وخصوصاً بعد أعمال العنف والقتل الداخلية.
تعاني الديمقراطية نقاط ضعف كشفت عنها الانتخابات الأخيرة للرئاسة التي اعتبرها الرئيس ترامب “مزورة”. فنظام الكلية الانتخابية كشف عورات الديمقراطية وبسببه خسرت هيلاري كلينتون أمام ترامب الذي فاز بأصوات الكلية الانتخابية. وهناك المال الذي يلعب دوراً حاسماً في الانتخابات ما يعطي للوبيات ورجال المال التأثير الحقيقي في النتائج، وكما يقال المال لبن السياسة الأمريكية. النقطة الأخرى هي دور المحكمة الاتحادية العليا التي تعتبر السلطة العليا في حال التنازع بين المؤسسات، وموقفها يتوقف على طبيعة ومرجعية القضاة وانتماءاتهم السياسية، لذلك يحرص كل رئيس أن يأتي بقضاة من نفس أيديولوجيته.
الباحث الكندي هومر ديكسون في معهد كاسكيد بجامعة رويال رودز يتبنأ بانهيار الديمقراطية الأمريكية، وبمخاطر حرب أهلية وحكم ديكتاتوري بحلول عام 2030 وبسبب انتشار الخطاب اليميني الشعبوي، والتخوف من التحول في اليد العاملة إلى التكنولوجيا والعولمة وعدم المساواة في الثروة. ومن الأسباب الأخرى التغيرات الديمغرافية والهجرة والشيخوخة والتزاوج بين الأعراق، وتراجع عدد المرتادين للكنائس وزيادة تخويف اليمين المتطرف من استبدال الثقافة ألأمريكية التقليدية.
وتكشف استطلاعات الرأي عن تشاؤم الأمريكيين بمستقبل ديمقراطيتهم. والتخوفات من عودة ترامب للترشح في انتخابات 2024 وفوزه ومعه عودة كل اليمين.
ومن المؤشرات المقلقة والحاسمة الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر القادم، ومؤشرات فوز الجمهوريين في سياق عدم حدوث اختراقات كبيرة في السنة الأولى من حكم بايدن. وكما قالت المرشحة السابقة اليزابيث دول، عندما سئلت، لماذا انسحبت بسرعة أجابت “لأنه ليس عندي المال”. والبروفسور البريطاني الشهير بول كيندي صاحب كتاب “صعود وأفول القوى العظمى”، يحدد مجموعة من الأسباب لأفول الإمبراطوريات أبرزها التمدد العسكري الذي يتجاوز القدرات الاقتصادية، وانفجار الصراعات الداخلية، وظهور قوى عظمى منافسه. هذه الشروط تنطبق على الولايات المتحدة وخصوصاً ما يتعلق بالانقسامات الداخلية ونذر حرب أهلية، ومنافسة قوية من الصين وروسيا، كما نرى في الأزمتين الأوكرانية والتايوانية وتراجع القدرات الأمريكية في المواجهة العسكرية.
وقد تكون أكثر التحذيرات مصداقية عندما تأتي من الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذى يوصف بالناسك وضمير المجتمع الأمريكي، إذ حذر من نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة، وأشار إلى أن الديمقراطية قد أصبحت مهددة من أنصار ترامب الذين اتهموا إدارة بايدن بسرقة الانتخابات وتزويرها، وسيطرتهم على الحزب الجمهوري ويشككون بالديمقراطية ويلوحون بالاستيلاء على السلطة بالقوة.
ويتحدث كارتر عن التخوفات من أنصار ترامب ومعظمهم من البيض العنصريين الذين يرصون صفوفهم ويظهرون كحركة سياسية جماهيرية جديدة، شعارها العنف قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني القادم والانتخابات الرئاسية في 2024.
هذه المؤشرات تنبئ بأن الديمقراطية الأمريكية تواجه تحدياً مصيرياً، وتزداد التحديات مع بروز نزعات انفصالية من بعض الولايات. وفي تقرير للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية ومقره استوكهولم، تصنف أمريكا ضمن قائمة الأنظمة الديمقراطية المتراجعة. ويقول التقرير إن الولايات المتحدة وهي معقل الديمقراطية العالمية ضحية للميول الاستبدادية نفسها، وتراجعت خطوات على مؤشر الديمقراطية. ومن المحللين من يشير إلى فقدان الثقة بصناع القرار ووسائل الإعلام، وأن هناك شعوراً بأن النخبة السياسية فاسدة. وكما يقول دانييل زبيلات صاحب كتاب “كيف تموت الديمقراطية”، إن “ثقافة الحوار تعانى انهياراً طويلاً للاعتراف المتبادل”. واليوم باتت الأحزاب السياسية أكثر تطرفاً وتتحمل مسؤولية الاستقطاب السياسي. وتدفع هذه الظاهرة بالانتقال من التنافس والتعدد السياسي إلى الانقسام والإقصاء ما قد يؤدى إلى تراجع الحلول الوسط.
ويبقى أن الولايات المتحدة اليوم في حاجة إلى توماس جيفرسون الذي كان مدافعاً عن الحرية والديمقراطية، وإلى فلسفة ألكسندر هاميلتون موحد الدولة وكيف يمكن حماية الولايات المتحدة من الانهيار.