الشرق اليوم – نشر مركز ستراتيجيكس للأبحاث والدراسات ورقة بحثية بعنوان “المستقلون طرفا في أزمة تشكيل الحكومة العراقية (مبادرة لم تقرأ بعد)” وتتناول ورقة السياسات قراءة لظاهرة المرشح المستقل في العراق، بأبعادها وأسبابها، وانعكاساتها على المشهد السياسي الراهن، وخاصة بدورهم كبديل عن القوى التقليدية، وكطرف ثالث في أزمة تشكيل الحكومة العراقية.
وتاليا نص الورقة كاملا:
نستطيع القول إن تشكيلة مجلس النواب العراقي الحالي 2021، مُفاجئة من ناحية نوعية الأعضاء، مُقارنة بالمجلس في دورته الأخيرة، حيث لم تعد تقتصر على القوى السياسية التقليدية المُسيطرة على المشهد السياسي منذ العام 2003، بعد أن ضم البرلمان الجديد عدداً من المستقلين.
وعليه، تُقدم هذه الورقة قراءة لظاهرة المستقلين، بأبعادها وأسبابها، وانعكاساتها على المشهد السياسي الراهن في العراق، وخاصة لدورهم كطرف ثالث في حلحلة أزمة تشكيل الحكومة العراقية، وإصلاح النهج القائم لإدارة شؤون الدولة.
ظاهرة المُرشح المستقل في الانتخابات العراقية
من الناحية الاصطلاحية، يطلق وصف “المرشح المستقل” في الأدبيات، على من يمتهن العمل السياسي ويترشح للانتخابات، دون أن يكون عضواً في حزب سياسي أو منتمي له أو مُرتبط بقوائمه الانتخابية، وقد توسع المصطلح في العراق ليصبح صفة تُطلق على منتسبي الأحزاب السياسية الناشئة.
وتجد ظاهرة المستقلين في العراق مُبرراتها وشرعيتها، من ضرورة مُزاحمة القوى السياسية التقليدية، والحاجة لتمثيل الأغلبية الصامتة التي تُقاطع الانتخابات بشكل دوري، وقد دفع القبول الشعبي للظاهرة بأن تحولت الأطراف السياسية لتصنيف ذاتها في خانة المستقلين، ويُمكن حصر هذه الظاهرة وأسباب مشاركتها ونتائجها في الانتخابات بما يلي:
أولاً: صعود خطاب شعبي، يدعو للابتعاد عن التحزب، ويلقى دعم فئة واسعة من قادة الرأي، وعلى وجه الخصوص في المجتمع العلمي والأكاديمي.
ثانياً: الاعتقاد بأن القوى السياسية التقليدية لم تلتزم بمُعالجة مُعضلة الفساد، إلى جانب تردي البنى التحتية، وتزايد معدلات البطالة.
ثالثاً: هناك ارتباط في الثقافة والسلوك الشعبي، بتكامل الاستقلالية والمهنية.
رابعاً: الحاجة إلى جهات مُعارضة، تُقدم صوت مُختلف وبديل عما تُقدمه القوى السياسية التقليدية، التي تُعتبر جميعها أحزاب حاكمة في العراق.
خامساً: الخشية من إنتاج بديل حزبي، يُشابه الأحزاب التقليدية القائمة، والساعية لإدارة الدولة في حالات عدة وفقاً لمصالحها الحزبية الضيقة.
وعليه؛ دفعت تلك الأسباب إلى علو المطالب الشعبية بممارسة المستقلين للعمل السياسي، ووفرت الفُرصة لبعض الشخصيات في المُشاركة بالانتخابات. على الرغم من أن الديمقراطية تتطلب الحزبية، إلا أن الظاهرة في العراق بُنيت على أساس ثقافي واجتماعي؛ يرتبط صعوده بشكل أو بآخر في الحراك الذي شهدته البلاد عام 2019 وما قبله، إذ تم الترويج بمعاداة الحزبية، وهو ما ظهر في نسب التوزيع الديمغرافي للنواب الجدد، حيث تصدرت المُدن في الجنوب والوسط العراقي النسبة الأعلى.
النواب المستقلون في مجلس النواب الجديد
يمكن إدراج أعضاء البرلمان الجدد من المستقلين، ضمن ثلاثة أطراف رئيسية؛ يُعرف جزء منهم بنهجهم القريب من القوى السياسية التقليدية، في حين انبثق آخرون من واقع حراك تشرين عام 2019، أما الطرف الثالث يحتكم إلى منطق البديل، الذي أوجدته المطالب المرجعية والشعبية، وهذا الأخير يتماشى مع الخطاب التقليدي بضرورة المُحافظة على العرف السياسي القائم، وعدم الانجرار وراء مُطالب التغيير الكبرى.
وقد حصلت الأطراف الثلاثة، على عدد من المقاعد التي لا يُستهان بها؛ مثلت ما نسبته 18% من العدد الكلي لمقاعد مجلس النواب، فقد حصل كل من “حركة امتداد” المُنبثق عن حراك تشرين و”كتلة إشراقة كانون”؛ على تسعة وستة مقاعد على التوالي، بالإضافة إلى مجموع مقاعد الآخرين من المستقلين والتي يبلغ عددها نحو 40 مقعداً.
ولا يزال هؤلاء المستقلين، يفتقدون إلى الثقة الكافية، لتشكيل خطاب موحد تجاه أزمة تشكيل الحكومة، وذلك لعدة أسباب، تتعلق بالاختلاف الأيديولوجي بين مكوناتها، وقُرب البعض الآخر منها من القوى التقليدية؛ وهذه الأسباب إلى جانب غيرها كفيلة بأن تُفقد المستقلين قُدرتهم على تقديم خطاب مُوحد ومُؤثر، أو قرار مُمثل للجميع ومُطبق عليهم. وقد أضاعت هذه الإشكالية على المستقلين، فُرصة العمل الجماعي وإثبات فاعليتهم ووجودهم في مجلس النواب، على العكس من القوى السياسية التقليدية، التي احترفت التفاوض وأتقنت اللعبة السياسية.
ويُمكن تشريح أبرز التشكيلات الناشئة (حركة امتداد، إشراقة كانون والمستقلين) وتبيان مواقفهم كما يلي:
1- حركة امتداد
تُعتبر الحركة المُمثل الرئيس لحراك تشرين في البرلمان، خاصة بعد أن انسحبت منصات تشرينية عدة من الانتخابات، ولم تحصل أخرى على أي مقاعد، لينحصر تمثيل الحراك بحركة امتداد، التي تُعد أحد أكثرها شعبية.
بالنسبة لجمهور الحركة شكل حصولها على تسعة مقاعد في مجلس النواب نصراً، خالف العديد من التوقعات حتى أكثرها تفاؤلاً، وقد توزعت مقاعدها في مدن الوسط والجنوب العراقي، بما يتسق مع التوزيع الجغرافي للمحافظات التي شهدت حراكاً في تشرين (انظر الجدول)، باستثناء العاصمة بغداد، التي لم تتمكن الحركة من الفوز بأي من مقاعدها.
ومنذ فوزها اتخذت الحركة مجموعة من القرارات؛ حددت بها برنامجها السياسي في مجلس النواب، وفي مقدمتها إعلانها عدم التحالف مع القوى السياسية التقليدية، وعدم مُشاركتها في الحكومة القادمة، والتركيز على مُحاسبة المُتهمين بقتل محتجي تشرين.
وقد نجحت الحركة في التحالف مع حزب الجيل الجديد، وهو حزب كردي مُعارض حصل على تسعة مقاعد، تحت مُسمى “تحالف من أجل الشعب”، إلا أنها لم تُفلح في ضم المستقلين، وحتى أولئك المنبثقون عن حراك تشرين، بالرغم من انخراطها في مفاوضات ومُبادرات عدة لتوحيدهم في تحالف واحد.
وبالرغم من أن الحركة استطاعت اختراق قبضة القوى السياسية التقليدية المسيطرة، إلا أنها تعثرت بجملة من الأخطاء التي عُدت فشلاً سياسياً لدى البعض، ومن هذه الأخطاء:
أولاً: لا تمتلك الحركة وثيقة تصف بها ذاتها، وتُحدد من خلالها تصنيفها وشكلها، وطبيعة تحالفاتها، الأمر الذي يُبقي وجهة نظرهم وبرنامجهم تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية عائماً.
ثانياً: يرى البعض بأن القرارات التي اتخذتها الحركة منذ دخولها مجلس النواب (كما تم ذكرها سابقاً)، ذات سقوف مُرتفعة، قد لا يُتاح لها تحويلها من “أقوال إلى أفعال”، ما يُهدد بعجز الحركة عن الوفاء بوعودها لجمهورها.
ثالثاً: لم تطرح الحركة برنامجاً متكاملاً للكيفية التي ستمارس بها المُعارضة، بعد رفضها المُشاركة في الحكومة القادمة، وما الآليات التي ستواجه من خلالها الثقافة السياسية القائمة على التعامل مع السلطة لا المُعارضة.
رابعاً: يُلاحظ اتساق تعامل الحركة مع منطق المدنية، في مواجهة القوى السياسية التقليدية، وتواجه جراء ذلك تُهماً بالابتعاد عن مُراعاة حاجيات وخدمات قواعدها الانتخابية.
من نتائج تلك الأسباب، أنها صنعت حاجزاً يعيق نشاط الحركة وعملها، فقد أعطت أملاً لا تستطيع تحقيقه ضمن حيز زمني قصير، وتحوم الشكوك حول مدى التزامها بقراراتها حول عدم التحالف مع القوى التقليدية، وقد أضرت قراراتهم في تماسك الحركة، وقلصت من مرونتها في بيئة سياسية مُتغيرة ومُتشابكة، وهو ما ظهر في إقالة الأمين العام للحركة بعد شكوك – ينفيها الأخير – بالتحالف مع التيار الصدري، أكبر الفائزين في الانتخابات.
2-كتلة إشراقة كانون
تُعد الكُتلة أحد القوى الناشئة في العراق، وينتمي لها مجموعة من النخب الأكاديمية والمثقفين، والتي تشكلت بعد حراك عام 2019، إثر خطاب مُمثل المرجعية الدينية في كربلاء، الذي دعا فيه النخب “لتشكيل قوائم بديلة، تأخذ على عاتقها الإصلاح”.
عُرفت الكُتلة للعامة خلال السباق الانتخابي، وتمكنت من حصد ستة مقاعد في مجلس النواب الجديد، ويعزي البعض فوز الحركة لارتباطها بممثلين في المرجعية الدينية وهو الأمر الذي تنفيه الحركة والمرجعية على حد سواء، وقد يعود السبب الرئيسي في وصولها البرلمان هو اهتمامها بتقديم المثقفين في قوائمها الانتخابية، من الذين لا تحوم حولهم تُهم أو شُبهات أخلاقية أو مالية.
وتوزعت مقاعدهم (أنظر الجدول) بين المُحافظات التي شهدت زخماً في تشكيل القوى السياسية الناشئة، خاصة محافظتي القادسية وبابل، بينما حصدت الكتلة مقعدين في محافظة كربلاء؛ المركز الرئيسي لها.
ونستطيع وصف علاقة الكتلة مع القوى السياسية التقليدية، بأنها وسطية ولا تحمل خصومة شديدة معها، وعلى عكس حركة امتداد، لم تقيد الكتلة نفسها بوعود وأجندة محددة أمام قواعدها، وقدمت نفسها باعتبارها معارضة إيجابية، في دلالة على ما يبدو لتجنب الصدام مع القوى التقليدية.
وقد تضمن دورها في المُعارضة مطالباً بالإصلاح السياسي وبتأسيس حكومة فاعلة ومستقرة، وهي – المطالب – التي لم تلقى صدى واسعاً، رغم مُقاطعة الكتلة جلسة انتخاب الرئيس لحين الأخذ بمطالبها على محمل الجد، ونظراً لحداثة التأسيس، والخطاب التوافقي غير التصادمي، عانى خطابهم السياسي مما يلي:
أولاً: يتم قراءة خطاب الكتلة في سياق رغبتها تجنب المُنافسة مع القوى التقليدية، من ناحية استخدامها وصف “المُعارضة الإيجابية”، الذي يُناقض دور المعارضة التقليدي في منافسة الحزب الحاكم كبديل محتمل عنه.
ثانياً: إن المطالب التي تضمنها بيان الكتلة، بمجملها عامة ويُمكن إدراكها في الخطاب العام والمواثيق عند كافة الأحزاب والتشكيلات السياسية الأخرى، ما أفقدهم التميز الذي يُحدد مسارهم السياسي، ويُفضلهم عن غيرهم عند الناخبين والجمهور.
ثالثاً: عدم إعلان الكتلة عن موقف صريح تجاه الأحزاب الناشئة أو التقليدية، أبقاهم دون تحالفات مع أحد، خشية من الوقوع في موقف خاطئ بين أحد الأطراف ونقيضه.
وقد تكون هذه الأسباب هي ما أبعدت الأحزاب التقليدية عن محاولات تشتيت الكتلة بعد رسائل التطمين التي بعثتها، إلا أنها خسرت التحالف مع المستقلين الاخرين، فضلا عن عدم تحقيقها لرغبة قواعدها الانتخابية في اتخاذ مواقف جادة وحقيقة لمواجهة الأزمات المتفاقمة.
3- المستقلون
شكل القانون الانتخابي الجديد للعام 2020، المُتغير الأساسي في تشكيلة مجلس النواب الحالي مُقارنة بما قبله من مجالس، وعلى وجه التحديد في الآلية التي قُسمت بها الدوائر الانتخابية، ومنحت الفرصة للمستقلين بالترشح والفوز من جميع محافظات العراق، إلى جانب ما فرضته من تغيرات في طبيعة الحملات الانتخابية وأسس الترشح بالنسبة للقوى التقليدية، التي تكيف بعضها من خلال الدفع بعدد من الشخصيات المحسوبة لها للترشح كمستقلين، وأفقدت أخرى ممن لم تتكيف مع التغيرات؛ حصتها المُعتادة في المجلس.
بالنسبة للمستقلين، فقد حصلوا على مقاعد من جميع المحافظات العراقية، بنسب مُتفاوتة، نظراً لسيطرة القوى السياسية التقليدية على حصص ثابتة لها في بعض منها، فضلاً عن ارتكاز الترشح في بعض المحافظات على الطابع العشائري، ولذلك نجد المستقلين حصدوا أغلبية مقاعدهم من المدن ذات الطبيعة المدنية، فكانت نسبهم في بغداد والنجف وبابل هي الأعلى.
وإذا تم احتساب مقاعد حركة امتداد ضمن المستقلين فإن محافظة بابل تحصد ستة مقاعد متساوية مع بغداد، وفي سياق متصل، فإن شمول الأحزاب الناشئة يُدخل محافظتي ذي قار وكربلاء ضمن قائمة الأعلى تصويتاً للمستقلين. وكما هو موضح في الجدول الاتي:
يُظهر التوزيع الديمغرافي، عدم فوز أي من المرشحين المستقلين في محافظتي أربيل وكربلاء، إلا أن ذلك لا يشمل المفهوم الواسع للمستقلين بما يتضمن القوى الناشئة غير التقليدية، إذ حصلت كتلة إشراقة كانون على مقاعد تمثيلية عن محافظة كربلاء، لتبقى أربيل فريدة في نتائجها، وقد يعود السبب للطابع العشائري في مُمارسة العملية الانتخابية في المحافظة.
لكن أهم المُلاحظات التي يُمكن قراءتها في الجدول أعلاه، هي في التنوع الذي رافق ترشح المستقلين واتساع رُقعتهم على امتداد المُحافظات العراقية، ما يعني حكماً تعدد روابطهم وتباين أهدافهم بشكل يجعل من الصعوبة بمكان دمجهم في بوتقة واحدة.
ومن هنا، تُلاحظ الاختلافات بين المستقلين، في مواقفهم من أزمة تشكيل الحكومة، في ظل انضمام غالبية المستلقين من المحافظات الغربية إلى القوى التقليدية، وانتظار آخرون لانسداد الأفق حتى يُفصحوا عن نواياهم حول مُشاركتهم أو مُعارضتهم للحكومة القادمة.
لكن، رغم تشتت المستقلين؛ أصبحو رقماً صعباً في عملية تشكيل الحكومة، فمع استمرار الخلاف بين إنقاذ وطن والإطار التنسيقي، وعدم تمكن أحدهما من المضي بمفرده في تشكيلها، بعد تفسير المحكمة الاتحادية القاضي بأن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب نصاب الثلثين من كافة أعضاء مجلس النواب، دفع بالطرفين لإطلاق عدد من المُبادرات بهدف استقطاب المستقلين، بما يُمكن أحد الطرفين من تشكيل الحكومة بمعزل عن التوافق مع الطرف الآخر.
مبادرة الإطار التنسيقي نحو المستقلين
أطلق الإطار التنسيقي مُبادرة تهدف إلى الخروج من حالة الجمود المُرافقة لتشكيل الحكومة، وتتمحور حول حصر اختيار رئيس الجمهورية باتفاق بين الأحزاب الكردية، بينما تتوافق القوى الشيعية على رئيس للوزراء، يُسميه النواب المُستقلين، ويحظى بقبول كافة الكتل الشيعية، مع إعطاء المُعارضة ممن لا يرغبون بالمُشاركة في الحكومة القادمة دوراً في الهيئات الرقابية.
مع ذلك، تضع حيثيات تلك المُبادرة، المستقلين – حال موافقتهم – في مُعادلة غير متوازنة، من حيث اختيارهم لرئيس وزراء مكشوف أمام مجلس النواب على اعتبار أن المُستقلين لا يُشكلون الأغلبية البرلمانية، أما أولئك الذين مُنحتهم المبادرة دوراً في الهيئات الرقابية، فقد يصبحوا أقلية غير مؤثرة، ما يقفدهم دورهم المطلوب أمام قواعدهم الانتخابية.
وعبر هذا التحليل، سيكون رئيس الوزراء هو الحلقة الأضعف تحت ضغط الكُتل الأكبر في البرلمان، فضلاً عن صعوبة تمرير الحكومة لبرامجها في مجلس النواب لعدم وجود كُتلة فعلية تدعمها، ويُمكن قراءة أبعاد المُبادرة؛ بوصفها مُناورة للعودة إلى التوافقات السابقة، تشتت بها المستقلين، وتُبعدهم عن التحالف مع الكتلة الصدرية، وتأتي برئيس للوزراء يتناسب مع فكرة التوافق.
مبادرة التيار الصدري للمستقلين
طرح التيار الصدري مُبادرته مطلع مايو من العام الجاري، بعد ساعات من المُبادرة سابقة الذكر للإطار التنسيقي، وتتضمن تعهد الأول بالتصويت لصالح المستقلين، شريطة تشكيلهم تكتل موحد لا يقل أفراده عن (40) فرداً، إضافة لاعتراف التيار الصدري وللمرة الأولى بالمستقلين كطرف ثالث في عملية تشكيل الحكومة، إلى جانب التيار نفسه والإطار التنسيقي.
وقد منح التيار الصدري، المستقلين مُهلة خمسة عشر يوماً للمُوافقة على مُبادرته، وهي مُدة يراها المُراقبون غير كافية وتأتي من باب كسب الوقت، إضافة لضمان دعم المستقلين، وإخلاء مسؤولية التيار عن أزمة تشكيل الحكومة.
ولا تختلف المُبادرة في أثرها على المستقلين، ففي الأولى يُسمون رئيس الوزراء دون وجود قاعدة برلمانية داعمة له، وفي الثانية يشكلون الحكومة مع تحالف إنقاذ وطن، دون أن يكون للتيار الصدري مُشاركة في وزرائها، وهي نقطة تمنحه الأفضلية عن الإطار التنسيقي.
بالنسبة للمستقلين، تُحمل كلا المُبادرتين مخاطر مُحتملة على مستوى مُشاركتهم ومستقبل نشاطهم، لكنهما تؤكدان في الوقت ذاته، أهمية ظاهرة المستقلين كطرف فاعل ومهم في المشهد السياسي الراهن، باعتبارهم المخرج المُحتمل لأزمة تشكيل الحكومة في ظل انسداد أفق التوافق بين تحالف إنقاذ وطن والإطار التنسيقي.
مبادرات المستقلين
اختار عدد من النواب المستقلين عدم التزام الصمت إزاء أزمة تشكيل الحكومة، ليطرحوا مُبادرة في منتصف مايو 2022؛ من سبعة بنود، تستند على مُراعاة الاستحقاقات الدستورية، وتشكيل حكومة تضم المستقلين إلى جانب الكتل السياسية الأخرى دون شروط مُسبقة، وأن يحظى رئيس الوزراء بالاستقلالية والنزاهة، مع ضمان حق المُعارضة.
ويتضح من المُبادرة، استمرار المستقلين في الحديث بشكل عام ودون أطر واضحة، وذلك نظراً لعدم وجود قواسم ورؤى سياسية مُشتركة تجمع بين أفرادهم المختلفين كما وضحنا سابقاً، ومن جانب آخر تحتوي المُبادرة على تناقض عند الحديث عن دور المستقلين في تشكيل الحكومة وحقهم في المُعارضة في نفس الوقت، ناهيك عن عدم تضمن بيان المبادرة لأسماء الموقعين عليه أو طبيعة تحالفهم.
ويُمكنّنا السرد السابق، من الإجابة على سؤال هام، حول الأسباب التي دفعت المستقلين لطرح مُبادرتهم عُقب المُبادرتين السابقتين، وبعد مدة طويلة من التزامهم للصمت، في وقت يدعون فيه بحسب بيانهم، محوريتهم وحقهم في تشكيل الحكومة!
إذ لم يُحدد المستقلين نهجهم السياسي؛ وميولهم تجاه صفوف المُعارضة أو التشكيلة الحكومية، وذلك كأحد الأسباب التي تمنعهم حتى اللحظة من تبيان أجندتهم في وثيقة واضحة المعالم.
ولم تكن تلك المبادرة الأولى للمستقلين، فقد طرح
“تحالف من أجل الشعب” الذي يضم حركة امتداد وحزب الجيل الجديد، مُبادرته في أواخر أبريل 2022، وتستند كما جاء في بيانهم على تسمية المستقلين لرئيس الوزراء، مع تأكيدهم عدم رغبتهم المُشاركة في أي حكومة مُقبلة، مبينين في الوقت ذاته استعدادهم التصويت لصالح الحكومة؛ شريطة أن يكون رئيسها غير مُشارك في الحكومات السابقة، وليس نتاج عملية “مُحاصصة”.
ويُمكن القول، إن بيان تحالف “من أجل الشعب”، هو الأكثر يقظة، باعتبار المستقلين غير قادرين على مواجهة الخبرة الطويلة لدى الكتل الكبيرة، وغير راغبين في التنازل عن تسمية رئيس الوزراء، في المُقابل يمضي إعلان التحالف به في صفوف المُعارضة.
الخُلاصة
مثلت ظاهرة المستقلين وصعودهم في مجلس النواب الجديد، اختراقاً للقوى السياسية التقليدية التي شكلت المشهد منذ العام 2003، مع ذلك يتعين على المستقلين مُعالجة جملة من الإشكاليات نتيجة عدم خبرتهم السابقة في حيثيات العملية السياسية، ما يُهددهم بفقدان فُرصتهم الراهنة، وفي المقابل؛ تعي القوى التقليدية خطورة اتساع ظاهرة المستقلين، وصعود نسبتهم في مجلس النواب، بشكل يُزاحم حصصهم المُعتادة في الدورات السابقة، ولذلك سيكون هناك سعي من قبل هذه القوى لإدخال المستقلين في ماكينة التجاذبات والتناقضات، ويتعدى ذلك إلى إشراكهم في حكومة توافق تُفقدهم مضامين خطابهم وقواعدهم الانتخابية.
مع ذلك، لا تزال الفُرصة سانحة أمام المستقلين، للإقرار بنهج سياسي ثابت ومسار عمل واقعي، يُحدد لهم أطر وجودهم وعلاقاتهم وأدوارهم، فإما أن يشكلوا المُعارضة ككتلة مُوحدة وقوية، تسعى إلى تفعيل دورها الرقابي على الحكومة، من خلال العمل على ضمان تمثليهم في اللجان البرلمانية، وخاصة لجنتي النزاهة والقانونية، أو التوحد كطرف ثالث له رؤيته وشروطه لتشكيل الحكومة.
ولعل المُبادرة الأجدر بالمستقلين اتباعها لضمان استدامة ظاهرتهم، ووجودهم في الدورات البرلمانية القادمة؛ تكمن في عدة نقاط منها:
أولاً: مُحاولة البحث عن أهداف سياسية مُشتركة توحدهم، بمعزل عن أيديولوجياتهم المُتعددة، مع ضرورة إبرازهم لهدفهم الأساسي في مُعارضة القوى السياسية التقليدية، ونهجها في إدارة الدولة.
ثانياً: ضرورة إجماع المستقلين على موقف واضح وصريح من الخلاف بين الإطار التنسيقي وإنقاذ وطن فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، وخاصة في تحديد ميولهم نحو حكومة أغلبية أو توافقية، وأن لا يُترك الأمر من باب الاستقطاب حتى تميل كفتهم لجهة على الأخرى، فالجمهور العراقي يتعاطى مع الوضوح السياسي أكثر من خطاب التأويلات.
ثالثاً: التأخير في إعلان المستقلين أنفسهم كطرف في المُعارضة، لا يُكسبهم مشروعيتهم في الشارع، ويُهدد بانجرارهم للانخراط في العملية السياسية التقليدية القائمة على التوافق، على اعتبارها النهج السائد والمُتوقع أن يُشكل المخرج النهائي للأزمة، إلى جانب الحل الآخر بالدعوة إلى حل البرلمان، وبالتالي فإن التأخير في تحديد موقفهم كقوى مُعارضة سيفقدهم مبدأهم الأساسي، ومن شأن استمرار الأزمة والتوجه لحل البرلمان، ألا يجدوا لخطابهم صدى يُذكر أمام قواعد وجماهيرهم.
رابعاً: الحاجة إلى إصدار وثيقة خطابية، تُحدد علاقاتهم مع الأطراف الأخرى، ورؤيتهم للحكم والنموذج المطلوب لإدارة الدولة، من أجل تأسيس علاقتهم مع جمهورهم أولاً، وتحديد مسارهم السياسي ثانياً.
ومن دون تلك المبادئ قد تضيع فرصة أن يكون هناك دور للمستقلين في الحياة السياسية العراقية، ويفقد الجمهور فرصة البحث عن البديل بعد الإخفاقات السياسية.
الكاتب د. عدنان الربيعي
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.