بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – إن إصرار الغرب على محاصرة روسيا وإضعافها، يمثل أجندة استراتيجية طموحة، لكنها تصطدم حتى الآن بالخيارات الجيوسياسية التي راهنت عليها موسكو منذ بداية الألفية الجديدة مع وصول الرئيس بوتين إلى السلطة والتي جعلتها تكثف حضورها في المياه الدافئة بالبحر الأبيض المتوسط وفي آسيا وفي إفريقيا بشكل خاص، مستندة في ذلك إلى العلاقات القديمة التي أقامتها موسكو مع العديد من الدول الإفريقية في زمن الاتحاد السوفييتي؛ لذلك فإن موسكو تعمل على دعم وجودها في القارة السمراء من خلال التركيز على البعدين العسكري والسياسي، ونجحت لأول مرة في تاريخها في نسج علاقات متميزة مع دول غرب إفريقيا التي كانت تعتبر مناطق نفوذ خالصة لفرنسا، وبالتالي فإن خطط الغرب الهادفة إلى التصدي للنفوذ الروسي في إفريقيا مندفعة وغير واقعية.
ويرى الخبراء الغربيون أن نجاح عملية الانتشار الروسي في إفريقيا تبدو شبه محسومة على المستويين الأمني والعسكري وهي مرشحة لأن تتطور كذلك على المستوى الاقتصادي، لاسيما في المجال الغذائي؛ حيث تعتبر روسيا من أكبر الدول المصدرة للحبوب في العالم، في الوقت الذي تعاني فيه أغلب الدول الإفريقية عجزاً كبيراً في إنتاج المحاصيل الزراعية وفي مقدمتها القمح، ويحدث كل ذلك في سياق إفريقي عام يهيمن عليه عدم الثقة في القوى الغربية التي فشلت بعد مرور عقود من الزمن على نهاية المرحلة الاستعمارية، في إقامة شراكة متوازنة مع الدول الإفريقية قائمة على الندية والاحترام المتبادل، وقد نجم عن هذا الفشل ردود أفعال معادية للغرب في أوساط قطاع واسع من الرأي العام الإفريقي في دول مؤثرة قارياً مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا ومصر. وكانت القمة الروسية الإفريقية التي انعقدت في سوتشي بروسيا سنة 2019 والتي حضرها مسؤولو 43 دولة إفريقية، مناسبة ملائمة للرئيس الروسي لتوجيه انتقادات مباشرة للدول الغربية التي قال إنها تحاول أن تملي على الأفارقة شروطها السياسية فيما يتعلق بشؤونها السيادية، مؤكداً في السياق نفسه أن روسيا لديها الكثير من الأشياء التي تستطيع أن تقدمها لأصدقائها الأفارقة؛ وقد أشار العديد من التقارير إلى أن موسكو بدأت في ترسيخ تعاونها مع إفريقيا مباشرة بعد العقوبات التي فرضتها عليها الدول الغربية سنة 2014، وتعمل حالياً بعد دخولها التراب الأوكراني وقيام الغرب بتشديد العقوبات عليها، على مضاعفة تعاونها مع الدول الإفريقية؛ الأمر الذي بات يهدد بشكل جدي نفوذ قوى غربية كبرى مثل فرنسا التي أصبحت تشعر بأنها قاب قوسين أو أدنى من فقدان نفوذها في مناطق شاسعة من القارة السمراء، لاسيما في مالي وبخاصة بعد إقدام السلطات العسكرية في هذا البلد على طرد السفير الفرنسي.
وتتذكر العديد من الدول الإفريقية في هذا السياق، أن مرحلة الأحادية القطبية التي هيمنت فيها الولايات المتحدة على العالم، كانت جد محبطة بالنسبة لدول القارة التي عانت بشكل غير مسبوق التدخلات الغربية في شؤونها الداخلية، وجرى خلالها غزو ليبيا من طرف حلف الناتو على الرغم من معارضة الاتحاد الإفريقي، وتم في المرحلة نفسها توظيف المنظمات الحقوقية الدولية للضغط على الدول الإفريقية وتهديد قادتها بالمتابعة القضائية، وكأن «العدالة الدولية» وجدت بشكل حصري لمتابعة المسؤولين الأفارقة.
ونستطيع القول بشأن المواجهة المتصاعدة بين الغرب وروسيا في إفريقيا، إنه وعلى الرغم من تواضع الفرص الاستثمارية التي يمكن أن توفرها موسكو لأصدقائها الأفارقة خارج المجالين الأمني والعسكري، فإنه يجب الاعتراف أيضاً أن حركية المبادرات الغربية الهادفة إلى دعم مسار التنمية في إفريقيا وصلت إلى معدلاتها القصوى ولا يمكن للدول الغربية أن تقدم أفضل مما قدمته؛ ومن ثم فإن وعود الاتحاد الأوروبي باستثمار 150 ملياراً في القارة السمراء بحلول عام 2027 تعتبر غير واقعية بالمرة، لاسيما وأن أوروبا تمر بمرحلة غير مسبوقة من التراجع الاقتصادي، الأمر الذي يترك هامشاً أكبر للصين لتنفيذ مشروعها المتعلق بطريق الحرير، ويتيح فرصاً أكبر لدول الخليج وتركيا وكوريا الجنوبية، من أجل تطوير مشاريع شراكة حقيقية مع إفريقيا.