الرئيسية / مقالات رأي / السودان… الحل ليس بالحوارات المعلبة

السودان… الحل ليس بالحوارات المعلبة

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم – يتخبط السودان منذ 25 تشرين الأول (أكتوبر) في أزمات أمنية وسياسية واقتصادية، منذ انقلب العسكريون على شركائهم المدنيين في المجلس السيادي الذي كان من المفترض أن يقود البلاد إلى الحكم المدني في نهاية فترة انتقالية من ثلاثة أعوام جرى التوافق عليها في آب (أغسطس) 2019، أي بعد أشهر من إطاحة حكم عمر البشير في ثورة شعبية، بعد 30 عاماً من الحكم الديكتاتوري. 

ولم يتمكن العسكريون منذ تفردهم بالسلطة، من إقناع المكونات المدنية بالتعاون معهم في مرحلة انتقالية جديدة تمتد إلى تموز (يوليو) 2023 موعد إجراء انتخابات عامة وعد الجنرالات بأنهم سيتنازلون بعدها عن السلطة لحكومة مدنية تنبثق عن الانتخابات.

ومنذ 25 تشرين الأول (أكتوبر)، استفحلت الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ويخرج للتظاهر بشكل منتظم آلاف السودانيين في العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة قتلة المتظاهرين الذين سقط مئة منهم وجرح المئات حتى كتابة هذه السطور.   

ومع تجدد التظاهرات يتجدد القمع، بينما القوى الإقليمية والدولية والأمم المتحدة غير قادرة على إقناع قائد المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان، بتقديم تنازلات جوهرية، من شأنها تهدئة غضب الشارع لا سيما الجيل الشاب، الذي يرفض رفضاً مطلقاً الاستكانة أو الدخول في حوار مع العسكريين، تحت أي مسوغ، باستثناء تسليم السلطة والعودة إلى الثكنات.  

ومنذ 25 تشرين الأول (أكتوبر)، يعمل الجنرالات على تفكيك الكثير من القوى التي قامت بالثورة، عبر استمالة شرائح منها وإدخالها في حوار عقيم الغاية منه شراء الوقت ليس إلا.

وعلى رغم إيجابية رفع حال الطوارئ الأسبوع الماضي، لكن قوى الحرية والتغيير التي كانت العماد الأساسي للثورة، طالبت بالمزيد من الخطوات لإظهار حسن النية، كالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين منذ 25 تشرين الأول (أكتوبر)، والتوقف عن قمع التظاهرات المطالبة بالحكم المدني الفوري.  

ورفضت قوى الحرية والتغيير أيضاً الآلية الثلاثية للحوار الذي سينطلق اليوم برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد” وحضور أطراف عسكرية ومدنية. وبنت هذه القوى رفضها على أساس أن الحوار “لا يخاطب طبيعة الأزمة الحالية المتمثلة في انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر)، والذي يجب أن تؤدي أي عملية سياسية لإنهائه بصورة كاملة وإقامة سلطة مدنية ديموقراطية”.  

إن الكثير من المواقف التي يطلقها البرهان والمغلفة بالدعوات إلى الحوار، لكنها لا تخاطب جوهر المشكلة المزمنة التي يعانيها السودان وهي شهوة السلطة لدى الجيش الذي حكم البلاد معظم الوقت منذ الاستقلال عام 1956 وحتى اليوم، وقليلة كانت هي السنوات التي حكم فيها المدنيون، الذين سرعان ما كانوا يجدون أنفسهم في مواجهة الانقلابات العسكرية، على غرار ما فعل الجنرال إبراهيم عبود ومن بعده جعفر النميري ومن ثم عمر البشير. وحده الجنرال سوار الذهب، الذي أنهى ديكتاتورية النميري، سلم السلطة لحكومة مدنية.  

ولا يظهر أن البرهان سيعيد تجربة سوار الذهب، بل قد يسير على خطى الجنرالات الآخرين الذي تسلموا الحكم ورفضوا التخلي عنه طواعية.  

هذا هو المأزق الحقيقي في السودان. والسؤال الجوهري الذي يجب أن يواجه به البرهان، هل هو مستعد للتنازل عن السلطة؟ لا شيء يدل إلى أنه سيفعل. ولو كان الأمر كذلك لما كان انقلب على حكومة عبدالله حمدوك في 25 تشرين الأول (أكتوبر).

ووحدهم المحتجون الذين ينزلون إلى الشوارع، يدركون أن الطريق إلى الديموقراطية لا يمر بمزيد من الحوارات المؤطرة والمشروطة، وأسطع دليل على ذلك إجهاض الجيش السوداني لثورة نيسان (أبريل) التي أطاحت البشير، وأعطت الأمل للسودانيين، ببارقة أمل بغدٍ أفضل.  

لا يعدو الحوار المعلب الذي سيبدأ للتو، كونه مناورة أخرى للعسكريين الذين يأبون أن ينصاعوا لإرادة الناس.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …