بقلم: عاطف الغمري – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – ربما تكون قد حدثت بعض الاختلافات أو الإضافات بين الأجواء التي طرح فيها هنري كيسنجر رؤية عن حرب أوكرانيا منذ أن بدأت، وبين آخر ما أدلى به من آراء وتحليلات، وهذه الاختلافات جاءت من دخول صحف كبرى في أمريكا وبريطانيا في تيار النقاش لما يقوله كيسنجر، وبما أضافته من تحليلات وتفسيرات للقضية المعقدة التي تعرض لها.
وتلك الرؤية المضافة تكتسب ثقلها من مجيئها في صورة مختلفة – إلى حد ما – عن أعاصير التغطية الإعلامية في دول الغرب للأزمة مع روسيا، والتي خلت في معظمها من عرض الرأي والرأي الآخر، وكثفت جهودها لحشد مشاعر الرأي العام العالمي، وراء حملات مضادة لروسيا، وسارت في ركاب الحملة العديد من مراكز الفكر السياسي، بحرص من الجميع على تجاهل وجهة النظر الروسية، وحجب آراء أمريكية سبق أن أطلقها خبراء حذروا مراراً من أن تطويق روسيا بقواعد حلف الناتو، وتجاهل مخاوفها الأمنية، سوف يؤدى بالضرورة إلى أزمة تشعل حرباً في تلك المنطقة، وهو ما حدث منذ اشتعال حرب أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
في قلب هذه الأعاصير، جذب هنري كيسنجر الاهتمام مجدداً بما طرحه في منتدى دافوس –عبر الفيديو كونفرانس– من رؤية مستقبلية، تتبصر ما هو متوقع قريباً للمشهد الراهن المعقد.
كيسنجر في كلمته دعا أمريكا والغرب إلى الامتناع عن محاولة تطويق روسيا بالقواعد العسكرية، وحذر من أن ذلك سيزيد من عدم الاستقرار في أوروبا على المدى الطويل، وحث الغرب على دفع أوكرانيا نحو قبول الجلوس في مفاوضات مع روسيا.
هنا تأتي الإضافة من صحيفتين كبيرتين في الغرب، إحداهما «ديلي تلغراف» البريطانية التي توقفت أمام تحذير كيسنجر من الاستمرار في الحرب بعد مهلة الشهرين اللذين أشار إليهما. وإن ذلك لن يجعل الوضع المتأزم ينحصر في حرب أوكرانيا فقط، بل ستكون هناك حرب أخرى جديدة ضد روسيا ذاتها.
الصحيفة الثانية هي «نيويورك تايمز»، واستشهدت بمقولة كيسنجر التي أعرب فيها عن أمله في أن تقترن الحكمة لدى الأوكرانيين، بالبطولة التي أظهروها في الحرب.
وقالت إنه ينبغي على أوكرانيا، اتخاذ قرارات إقليمية مؤلمة لتحقيق السلام.
الاهتمام المتجدد بأقوال كيسنجر رافقته بنفس الطريقة متابعة دؤوبة لآخر تحليل للأزمة مع روسيا من فيونا هيل. وبدا للمتابعين وكأن هناك تقارباً – غير مقصود – في نظرتهما لحرب أوكرانيا.
وفيونا هيل ينظر إليها على أنها من أكبر خبراء أمريكا في الشؤون الروسية، وبشخصية بوتين على وجه الخصوص، وسبق أن نشرت عنه كتاباً بعنوان «مستر بوتين الرجل صاحب التأثير في الكرملين»، وهي عضو سابق بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وعضو بمجلس المخابرات الوطنية سابقاً.
أجهزة الإعلام وبعض مراكز البحوث السياسية حرصت على ملاحقة فيونا هيل لمعرفة آخر تقييم لها للتطورات القادمة لحرب أوكرانيا، منها معهد بروكنغز، ومجلس شيكاغو للشؤون الدولية.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» كلماتها في مجلس شيكاغو تحت عنوان: فيونا هيل تتحدث عما إذا كانت أوكرانيا ستكسب الحرب، وما الذي سيحدث لو أن روسيا هزمت؟.
ثم أجرت معها الصحيفة حواراً قالت فيه إن فيونا هيل تعتقد أننا ندخل مرحلة في النزاع شديدة الظلمة.
وتحدث مراسل صحيفة «بوليتيكو» عن مساعيه للقاء فيونا هيل التي وصفها بأنها من أكثر خبراء أمريكا فهماً لشؤون روسيا. وإنه مشهود لها بأنها دائماً تقول الحقيقة.
هيل قالت في الحوار معه إن بوتين يتصرف عاطفياً بشكل متزايد، ويمكنه استخدام كافة الأسلحة المتاحة أمامه، بما فيها السلاح النووي. لكن من المهم ألا تفقد الأمل في عدم حدوث ذلك.
وتقول إذا نظرنا إلى حالة روسيا من الداخل، سنجد أن صورة بوتين تتحدد في كونه رجلاً يكافح من أجل حماية روسيا. أي أن روسيا تحتاج إليه، وهو أمر يحدث للزعماء عندما تكون بلادهم في حالة حرب. وحدث ذلك – على سبيل المثال – حين ارتفعت شعبية ونستون تشرشل في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.
الخلاصة.. إن إلقاء الضوء – ولو نسبياً – في أمريكا وأوروبا، على رؤية كل من كيسنجر، وفيونا هيل، تخيم عليه سحابات داكنة مجهزة تجهيزاً احترافياً، صحفياً، وسياسياً، بما يخدم استمرارية الأزمة، ولو إلى حين. وهو ما يعطل فرص اللقاء على مائدة المفاوضات، وحتى يستمع كل من الطرفين للآخر بنية صادقة.
وحينئذ تكون الفرصة متاحة لتنازلات متبادلة من الجانبين، وإخراج العالم من محنة لم تكن قد صنعت بين يوم وليلة، بل جرى غرس بذورها في تربة مواتية لها، حتى أننا نشهد الآن واحدة من أخطر المواجهات في العالم.