بقلم: لوران بيسلي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – في ربيع هذا العام، تعثرت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأيضاً في شتى أرجاء العالم بسبب التضخم وعجز الإمدادات والحرب. وفي عالم النقود الرقمية المعروفة باسم العملات المشفرة، كانت الخسائر أسوأ بكثير. فقد خسرت بيتكوين، أكبر عملة مشفرة في العالم، أكثر من نصف قيمتها نزولاً من أعلى مستوياتها في نوفمبر الماضي. وعملة رقمية أخرى تسمى «تيرا يو.إس. دي.» التي صُممت لتكون قيمتها دولاراً واحداً في جميع الأوقات، انهارت مع رمزها الشقيق «لونا». وفقدت عملة مستقرة أخرى وهي «دي. إ. أي.» ارتباطها بقيمة دولار واحد ويتم تداولها الآن بنحو 51 سنتاً.
لكن، على الرغم من كل هذه الاضطرابات، مازال قبول العملات المشفرة يواصل الانتشار. ففي مايو، بدأت شركة محاماة مقرها دبي في قبول الدفع بعملة بتكوين وبعض العملات الرقمية الأخرى. وزعم مطعم إيطالي أنه أول مطعم في ويلز يقبل العملات الرقمية.
وفي والثام، بولاية ماساتشوستس، أعلنت جامعة بنتلي أنها مستعدة الآن لتلقي مدفوعات التعليم بالعملات المشفرة. فلماذا يثق أي شخص في مثل هذه النقود الهشة؟ بالنسبة إلى كبار المتداولين المهتمين بالاستثمار في العملات المشفرة، فبدلاً من استخدامها كعملة، كان التقلب جزءاً من جاذبيتها، على الأقل عندما ترتفع الأسعار. لكن أحد الأسباب الرئيسية أيضاً هو أن تكنولوجيا البرمجيات التي تقوم عليها معظم العملات المشفرة تعد بثورة في التمويل، من خلال معاملات فعالة وآمنة ومستقلة عن النظام المصرفي التقليدي.
فقد ذكرت السيناتورة «الجمهورية»، سينثيا لوميس، في مايو الماضي خلال منتدى على الإنترنت لمعهد أميركان إنتربرايز، البحثي في واشنطن أن «البحث عن طرق لجعل (المعاملات المالية) أرخص وأسرع، والعثور على وسائل لجعل الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك أو نادري التعامل مع البنوك قادرين على إرسال أموال بطريقة الند للند لبعضهم البعض، آنياً، ودون كلفة، سيغير قواعد اللعبة في الاقتصاد، ليس فقط في هذا البلد، لكن في كل مكان آخر في العالم». لكن المرء يستطيع بالفعل نقل الأموال رقمياً ومجاناً وعلى الفور تقريباً باستخدام خدمات مثل «فينمو» و«زيل». لكن هذه العملية تنطوي على تقدم في المال الذي مازال يستغرق وقتاً أطول في التحويل في العالم البطيء للنقد الذي تصدره الحكومة والمؤسسات المالية المرخصة.
وتكنولوجيا «سلسلة الكتل» التي تعتمد عليها العملات المشفرة تمثل تحولاً جذرياً. فبدلاً من الاعتماد على البنوك المركزية، هذه التكنولوجيا غير مركزية. ويستطيع أي شخص تدشين عملات رقمية جديدة دون إذن من الحكومة. ونظرياً، لا يحتاج المستخدمون إلى الوثوق بأي من اللاعبين في النظام، بل إلى الثقة في التكنولوجيا والأصول التي تدعمها فحسب. وتخضع هذه الثقة لاختبار عسير حالياً، مع مواصلة بعض العملات المشفرة الانخفاض ومع تنفيس المستثمرين عن غضبهم أو تحسرهم على خسائرهم في وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى أوميد مالكان، الأستاذ بكلية كولومبيا للأعمال، أنه قد حان «الوقت بالتأكيد للتشكيك في مصداقية الكثير من العملات المشفرة. كثير منها تمثل خداعاً أكثر من كونها شيئاً جوهرياً. لكن بتكوين لها قيمة فريدة من نوعها لأنها تشبه عملة بها آلية تحويل مدمجة فيها. وهذه الميزة لم تكن موجودة من قبل، بخلاف النقد». ومالكان هو مؤلف كتاب بعنوان «إعادة هندسة الثقة»، وهو يتناول موضوع العملات المشفرة، وسيتوافر في شهر يوليو على موقع أمازون.
لكن يتبين أن طريق نقود المستقبل شديد الوعورة. ففي سبتمبر الماضي، أصبحت السلفادور أول دولة تجعل «بتكوين» عملة تداول قانونية. ويتعين على الشركات قبولها بقوة القانون. وعملت الحكومة جاهدة لإقناع المواطنين باستخدامها. وصممت تطبيقاً للهاتف المحمول سمح للمستخدمين بتداول بتكوين والدولار من دون رسوم معاملات. وكل شخص يقوم بتنزيل التطبيق يحصل على عملة بتكوين بقيمة 30 دولاراً، وهو مبلغ كبير في بلد فقير مثل السلفادور. والذين يستخدمون البرنامج في الدفع في محطات الخدمة يحصلون على خصم على الغاز. وفي الاندفاع الأولي، نزلت نصف الأسر في البلاد التطبيق. لكن بعد إنفاق مكافأتهم البالغة 30 دولاراً، توقف ما يقرب من ثلثيهم عن استخدامه، وفقاً لدراسة حديثة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية. ولم يكلف خمس آخر من الأسر نفسه عناء إنفاق المكافأة. وفي العام الجاري، لم يقم أحد بتنزيل التطبيق تقريباً. وفشل إذن تصور الحكومة المتمثل في تقديم أدوات مالية رقمية مجانية للفقراء وغير المتعاملين مع البنوك.
ويؤكد ديفيد أرجنت، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنسلفانيا ستيت وأحد مؤلفي الدراسة التي استطلعت آراء 1800 أسرة في السلفادور، أن «الشاغل الرئيسي للناس هو الثقة». فالسكان يفضلون استخدام الدولارات ولا يثقون في نظام الحكومة أو عملة بتكوين نفسها. وأُجري الاستطلاع حتى قبل تعرض بتكوين وعملة «ايثريوم» التي تحتل المرتبة الثانية في العملات الرقمية لأحدث هبوط لهما. وهذه التقلبات الشديدة في القيمة تثني المستهلكين عن استخدامها في شراء البضائع ودفع الفواتير. وهذا هو ما يجعل معظم السلفادوريين وأيضاً شركات كثيرة يحولون العملات المشفرة إلى الدولار بمجرد تلقيهم لها.
وأدى فشل بتكوين في أن تكون عملة مستقرة إلى جذب المستثمرين والمستهلكين إلى نوع مختلف من العملات المشفرة وهي العملات المستقرة، والتي أريد بها أن تحمل القيمة نفسها للدولار الأميركي أو بعض العملات التقليدية الأخرى. وكانت العملات المستقرة التي انهارت في مايو تستند إلى خوارزميات أو مجموعة قواعد رياضية. وفي مقابل هذا، احتفظت العملات المستقرة الرئيسية الثلاث المدعومة بالدولار بقيمتها، على الرغم من ضغوط البيع المكثفة. وما لم يحسم بعد هو السؤال عن هوية الجهة التي ستصدر عملة مستقرة يمكنها كسب ثقة العالم. فقد تكون واحدة من المجموعة القائمة مثل «تيثر» أو «يو. إس. دي. كوين». وقد تكون كياناً آخر تابعاً للقطاع الخاص أو بنكاً دولياً أو بنكاً مركزياً. ووفقاً لإحدى الإحصائيات، هناك 87 دولة تبحث أو تختبر فكرة إصدار عملاتها الرقمية.
وهناك أسئلة كبيرة مازالت مطروحة، مثل، كيف يضمن البنك المركزي أن تظل مشتريات المستهلكين تتمتع بالخصوصية مع بناء ما يكفي من الشفافية لتعقب النشاط المالي الإجرامي؟ هل سيتم تعدين عملات رقمية عبر عملية تستهلك الطاقة بكثافة، مثل بتكوين التي استهلكت كهرباء أكثر من النرويج العام الماضي، أم ستستخدم بروتوكولات أخرى تتطلب طاقة أقل بكثير في أجهزة الكمبيوتر؟ ثم هناك الانخفاض الأخير في عملات بتكوين وإيثريوم، مما أضعف الثقة في العملات المشفرة.
وعن العملات المشفرة، يحذر«توماس فارتانيان»، المدير التنفيذي لمركز التكنولوجيا المالية والأمن السيبراني، في منتدى معهد أميركان انتربرايز، أن «المشكلة هي أننا نتعامل مع شيء غير خاضع للوائح إلى حد كبير». وسواء أصبح هذا غير خاضع للوائح أو خاضعاً للتنظيم بشكل متزايد، فقد يصبح مستقبل المال على المدى المتوسط على الأقل مزدحماً. ويرى آندي لونج، الرئيس التنفيذي لشركة «وايت روك مانجمنت»، لتعدين بتكوين ومقرها سويسرا وهي تتوسع في الولاياًت المتحدة، أن النقد التقليدي لن يحتفي تماماً، بل «سيكون هناك عملة دولار (رقمي). وبتكوين لن تختفي أيضاً. وسيتعايشان معا».