الشرق اليوم- كثيرون، ربما، لا يدركون أن العقوبات الأمريكية – الغربية الاقتصادية والمالية والثقافية والاجتماعية والسياسية غير المسبوقة على روسيا تتم خارج القانون الدولي والقانون الإنساني، وهي بالتالي تُعَدّ انتهاكاً لهما؛ لأنها تطبق خارج إطار الأمم المتحدة، باعتبارها عقوبات أحادية لخدمة مصالح وأهداف سياسية محددة.
وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية هو الوحيد الذي له الحق، وبتفويض من المجتمع الدولي، في تطبيق العقوبات، وفقاً للمادة 14 التي يجب أن تلتزم بها جميع الدول الأعضاء، باعتبار العقوبات من أقوى الوسائل السلمية للمجتمع الدولي لمنع تهديد الأمن والسلم الدوليين.
إن إقدام الولايات المتحدة باستمرار على فرض عقوبات على العديد من الدول، وآخرها على روسيا، يتم بمعزل عن أي تفويض دولي، وبالتالي فإن هذا التصرف يقوّض دور الأمم المتحدة باعتبارها المنظمة الأممية التي ارتضى العالم بأن تكون وحدها دون غيرها المسؤولة عن الأمن العالمي. لكن الولايات المتحدة وبحكم ما لديها من فائض قوة وسيطرة فإنها تعمل على فرض قوانينها وتشريعاتها الأحادية على العالم، وكأنها قوانين دولية ملزمة، وتلزم الدول الأخرى بتطبيقها، وفي حال الامتناع تتعرض هي الأخرى للعقوبات، كما هو حال “قانون قيصر”، الذي فرضته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سوريا عام 2019، من دون تفويض دولي بزعم “حماية المدنيين”، لكنه شمل مجالات حياتية ومعيشية تهم المواطنين السوريين، كما فرض عقوبات على أشخاص، وعلى كل جهة أو دولة لا تلتزم بتطبيق القانون.
ومثل هذا القانون تم تطبيقه في إطار عقوبات مفروضة منذ عقود ضد كوبا، ومؤخراً ضد فنزويلا، وعلى العديد من الدول التي ترى الولايات المتحدة أنها تتعارض سياسياً معها، أو ترى أنها تشكل تحدّياً لدورها المهيمن على النظام الدولي، كما هو حال الصين.
إن الاستعمال المكثف للعقوبات خارج إطار الأمم المتحدة ضد بعض الدول والهيئات بقصد ممارسة ضغوط عليها؛ لإجبارها على تغيير سلوكها في مجال معين خدمة لمصالحها، أصبح سمة تتميز بها الولايات المتحدة الأكثر توظيفاً لسلاح العقوبات كبديل للتدخل العسكري المسلح خارج نطاق المنظمة الدولية، وأحياناً كرديف لتدخلها العسكري كما حصل بالنسبة لغزو أفغانستان والعراق، وكما هو الحال في بعض الأراضي السورية بزعم مقاومة الإرهاب.
لقد أعرب المقرر الأممي الخاص بحقوق الإنسان إدريس الجزائري، في تقرير له أمام الجمعية العامة، عن قلقه من فرض عقوبات أمريكية، والاستخدام التعسفي للتجويع الاقتصادي لأغراض سياسية، بما يعجّل بكوارث إنسانية، وقال: “لا ينبغي أبداً حل المخاوف الحقيقية والاختلافات السياسية بين الحكومات عن طريق التعجيل بالكوارث الإنسانية والاقتصادية، واسترهان الناس العاديين”، كما هو حاصل الآن، باعتبار أن ذلك يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية.
نحن في الواقع أمام منظمة دولية عاجزة عن فرض قوانينها، ودولة كبرى تفرض قوانينها الخاصة بالقوة، وتَعُدّ نفسها بديلة عن الأمم المتحدة.
المصدر: صحيفة الخليج