بقلم: جميما كيلي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – على الرغم من الزعم بأن عدداً من المستثمرين الرزينين انخرطوا في العملات المشفرة فإنني لا أزال أرفض أخذ تلك العملات المشفرة على محمل الجد.
فقبل مدة انهار السوق بنحو 30 في المئة عن ما كان عليه، حيث برهن العديد من تلك «العملات المستقرة»، كما يطلق عليها، أنها ليست كذلك. وبعد أن وصلت قيمة «البيتكوين» إلى أعلى مستوياتها العام الماضي، انهارت الآن بأكثر من النصف، فيما انهارت عملة «دوج كوين» بحوالي 90 في المئة.
ومع ذلك، القول إن العملة المشفرة لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد، لا يعني القول إنها على وشك الانهيار، وفي سوق مدفوع بما هو أكثر بقليل من الإيمان المطلق، وبمعزل عن ما غرد به إيلون ماسك، فإن أي محاولة للتنبؤ بالأسعار المستقبلية هي مسعى عقيم لا طائل منه.
وسيكون من المخادع قليلاً التظاهر بأنني لا أشعر بقدر معين من الرضا من مظهر جماعة التشفير الأثرياء الذين يبدون حساسين قليلاً في الوقت الحالي، أو من رؤية عمليات تبادل العملات المشفرة لا تحقق أهداف إيرادات مساهميها ربع السنوية البالغة 1.5 مليار دولار، لكنني لا أشعر بالسعادة في رؤية المستثمرين بالتجزئة في خضم أزمة تكلفة معيشة يخسرون قسطاً كبيراً من أموالهم في سوق تمت طمأنتهم على أنه سيرتفع على الدوام، أو عملات «مستقرة» قيل لهم إنه يمكن الاعتماد عليها كالعملات الحقيقية، ولا من رؤية أرقام خطوط المساعدة الخاصة بالانتحار المثبتة في الجزء العلوي من منتديات «رديت».
لذلك يبدو من الأنسب استخدام الانهيار الأخير في السوق، فرصةً من أجل تقديم الحجة الأخلاقية ضد العملات المشفرة، لأن الأمر لا يقتصر فقط على حجة عدم تعاملنا معها على أنها فئة أصول جادة، بل في الحاجة أيضاً إلى التوقف عن تخيل أن الأمر كله مجرد متعة غير مؤذية.
وفي مقابلة أخيراً مع عالم النفس الاجتماعي، جوناثان هايدت، الذي يركز على الأخلاق، دُهشت من جوابه عندما سألته عن ما إذا كان قد اشترى أي عملة مشفرة، مشيراً إلى استثمار أكثر من 1 في المئة من أمواله فيها.
وما قاله بهذا الخصوص: «أدرك أنه من الممكن أن يصل إلى الصفر، لكن يمكن أن يرتفع مرات عدة، فإذا لم أشترِ على الإطلاق سأشعر بالسوء إذا ما ارتفعت الأسعار بشكل كبير وفاتني ذلك. ولقد سمعت آراء مختلفة تصب في الاتجاه نفسه من عدد من الأشخاص، وفي ظاهر الأمر، يبدو هذا الخوف من «تفويت الفرصة» معقولاً.
لكن سوق العملات المشفرة عبارة عن «لعبة مجموعها سلبي»، وهذا يعني أنها ليست مجرد لعبة «مجموعها صفري»، بمعنى خسارة شخص هو مكسب لآخر، بل أكثر من ذلك، فهي تتسبب بـ«عوامل خارجية سلبية» إذا استخدمنا لغة السوق. والمشكلة هي أن معظم الأشخاص الذين يلعبون هذه اللعبة لا يدركون ذلك.
ومن الحجج البيئية الرئيسة ضد العملات المشفرة هي أن البصمة الكربونية الناتجة عن تعدين «البيتكوين» والعملات الأخرى تفوق بصمة إدراج اقتصاد متوسط الحجم. ووفقاً لتحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يستخدم تعدين «البيتكوين» 0.5 في المئة من الكهرباء في العالم، وهذه النسبة تشكل سبعة أضعاف ما تستخدمه جميع عمليات «غوغل» العالمية.
وهناك أيضاً مشكلة النفايات الإلكترونية المتنامية، فقد قدّرت دراسة حديثة أجراها باحثون في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والبنك المركزي الهولندي، أن النفايات الناتجة عن كل معاملة «بيتكوين»، وعادة ما يكون هناك حوالي 300 ألف معاملة كل يوم، تعادل تلك الخاصة بجهازي «أيفون»، بسبب العمر الافتراضي القصير لأجهزة التعدين.
ويصعب قياس الأضرار المجتمعية، لكن يمكننا التوصل إلى فكرة عن الوضع. فبالنسبة إلى كل شخص وضع مبلغاً كبيراً من المال في «لونا»، التي انهارت قبل أسابيع إلى لا شيء تقريباً، كان هذا انهياراً مدمراً، حيث تمتلئ وسائل التواصل الاجتماع بحسابات محاولات الانتحار والخراب المالي. ثم هناك عمليات الاحتيال الشاملة التي يقدر أنها كلفت ضحاياها 14 مليار دولار العام الماضي.
وحتى من دون حدوث انهيارات وعمليات احتيال، فإن الهيكل الهرمي للعملات المشفرة ضار في حد ذاته، وهو يعني أن الداخلين الأوائل، الذين ما زالت أوضاعهم على ما يرام، يحتاجون باستمرار إلى تجنيد أعضاء جدد بوعود كاذبة حول كون عملة «البيتكوين» مستقبل المال، أو بأحدث جملة غير شريفة وهي «سنوفق جميعاً».
وفي الواقع لن نوفق جميعاً في لعبة محصلتها سالبة، أو حتى محصلتها صفر، فهذا مستحيل. والأشخاص الذين يواصلون استخدام هذه الجملة قد يوفقون، ذلك لأنهم دخلوا قبل أي شخص آخر. وهم يعتمدون على «الأكثر حماقة» الذي يأملون أن تكون أنت عزيزي القارئ، الذي تواصل تصديق تلك الأكاذيب وإدامة مخططاتهم غير النزيهة.