بقلم: محمد نور الدين – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- من الواضح أن لبنان يتجه نحو أزمة سياسية كبيرة. وقد كانت انتخابات رئاسة المجلس النيابي ونائبه نموذجاً استباقياً لملامح تلك الأزمة.
فللمرة الأولى نشهد تنافساً حاداً بين الكتل على أساس سياسي متوازن إلى حد كبير. وللمرة الأولى يحصل رئيس البرلمان نبيه بري والموجود في موقعه منذ ثلاثين عاماً اعتراضاً وازناً يقارب نصف النواب ناقص واحد، باعتبار أنه لم يكن هناك من منافس له نظراً إلى أن أحداً من النواب الشيعة لم يفز على لوائح المعارضة ولوائح المجتمع المدني. وللمرة الأولى تحدث معركة ذات دلالة على موقع نائب رئيس المجلس؛ حيث فاز النائب في التيار الوطني الحر الياس بو صعب بالعدد نفسه من الأصوات وبفارق أربعة أصوات عن مرشح المعارضة.
عندما نطلق مصطلح معارضة هنا إنما قد نتجنى على الواقع الذي نشأ بعد الانتخابات النيابية. وهذه النتائج واجهت يوم الثلاثاء الماضي، يوم انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس، أول امتحان لها.
بدا جلياً أن الأكثرية السابقة الموالية لما يسمى “8 آذار/مارس” خسرت الغالبية، لكنها لم تخسر كونها الكتلة الأكثر تماسكاً والأكبر عدداً في البرلمان والأقدر على تدوير الزوايا وبالتالي “تجميع” عدد من النواب كافٍ للغلبة على الكتل الأخرى.
لكن في الوقت نفسه فإن كتل المعارضة السابقة والتي كانت تسمى “14 آذار / مارس” مثل حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب كما النواب الذين فازوا باسم تحركات 17 تشرين الأول/أكتوبر لم يستطيعوا تحصيل الأغلبية التي كانوا يعدون بها. وبالكاد جمعوا بحدود خمسين نائباً وربما أقل بكثير.
في هذا البرلمان المتشظي سياسياً سيكون العمل صعباً وسيكون العمل وفق قناعات وبرامج العديد من النواب “التغييريين” أكثر صعوبة. وقد شهدنا كيف انكفأ هؤلاء النواب عندما مسّت الانتخابات موقع أميني سر المجلس وهيئة مكتب المجلس وكيف انسحب مرشحو “التغيير” لمنع المسّ بهذه التوازنات، فكان السقوط الأول لهم. فإذا كان المسّ بمواقع هامشية مثل هذه قد سقط فكيف لهذا الخط الأحمر أن يُمس في “المعارك الكبرى” المتعلقة بالمشاريع الكبرى حول الاقتصاد والاقتراض والكهرباء والنفايات والميثاقية الدستورية بين المسيحيين والمسلمين وبين المذاهب.
بل كيف يمكن لهؤلاء “التغييريين” أن يتجرأوا على محاولة تغيير قواعد اللعبة مثل استقلال القضاء وقانون الأحوال الشخصية وطائفية المواقع الكبرى، لاسيما رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان؟ وكيف يمكن لهم أن يمضوا قدماً في مشاريع أكبر منهم ومن طاقة البلد على التغيير، لاسيما في مجال السياسات الخارجية؟
“التجربة الأولى” لنواب “التغيير” وعددهم لا يتجاوز ال 13-15 نائباً من مجموع 128 نائباً أعضاء البرلمان، لا تبشر بالخير. على الرغم من أنهم يستطيعون، لو أرادوا، أن يحدثوا تغييراً فعلياً ليس من خلال قدرتهم العددية، فهم أقل من أقلية؛ بل من خلال طرح مشاريع وبرامج ومشاريع قوانين تتطابق مع رغبات الجمهور اللبناني الأعظم التواق للخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة، والتواق لكسر منظومة الفساد والطائفية المتحكمة برقاب اللبنانيين والتي سرقت جنى عمر الناس بالتكافل والتضامن بين كل مؤسساتها السياسية والمصرفية والقضائية والأمنية.
يمكن لنواب التغيير أن يحدثوا الفرق وأن يحرجوا الطبقة الحاكمة التي للمناسبة كانت تضم كل الأحزاب المتنافسة الآن وكانت جزءاً من الحكومة التي شهدت انهيار البلد وإفلاسه عشية 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
لا أحد في لبنان راضٍ عما وصلت إليه حال البلد والكل يريد خشبة الخلاص من أكبر أزمة اقتصادية عرفها العالم على امتداد القرن العشرين. لكن المفجع أن تيار التغيير أظهر في امتحانه الأول ضعفاً وعجزاً وتشرذماً وخضوعاً لكلاسيكيات المنظومة الطائفية والمالية في لبنان. وهذا يجعل المواطن التعيس يتساءل عما إذا كان هؤلاء يستحقون صفة “التغيير” أم أنهم مجرد بيادق خادعة من أجل أجندات خفية إلا على المواطن اللبناني؟