بقلم: ماكسيميليان هيس
الشرق اليوم- في منطقة القوقاز المعروفة باضطراباتها تاريخياً، بدأت علامات الاستياء من حرب بوتين تظهر بكل وضوح، لكن يُحكِم الكرملين وعملاؤه المحليون سيطرتهم على الوضع حتى الآن، ولا يجازف هذا السخط المتصاعد بقطع العلاقات مع موسكو بعد. مع ذلك، يشعر الكرملين بالقلق من توسّع النزعة القومية في منطقة القوقاز المتنوعة عرقياً، علماً أن روسيا كانت قد غزتها وأخضعتها لسلطتها في القرن التاسع عشر، وشهدت هذه المنطقة أيضاً عمليات ترحيل مريعة وقتل جماعي على يد حكامها الروس والسوفيات، وتستمر الاضطرابات المتقطعة فيها حتى اليوم، فقد منعت موسكو تنظيم مسيرات تزامناً مع ذكرى إبادة الشركس على يد جيش الإمبراطورية الروسية في 21 مايو، ومع ذلك تجمّع مئات الناس في مواقع مختلفة ويقال، إن الشرطة اعتقلت بعضهم، لكن من المتوقع أن تطلق هذه الخطوات حركة متوسّعة، فقد دفعت التقارير المرتبطة بالإبادة الروسية العنيفة للأوكرانيين خلال الحرب الراهنة بالناشطين في الشتات الشركسي إلى مقارنة ما يحصل اليوم بتاريخ شعبهم.
في الشيشان، سُحِقت جميع مظاهر المقاومة عبر حربَين وحشيتَين ونظام حُكم حديدي بقيادة الزعيم الموالي لبوتين في المنطقة، رمضان قديروف، واليوم، يحارب مقاتلوه لمصلحة روسيا في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه يقاتل الشيشانيون إلى جانب أوكرانيا، لكنهم يتحدرون في معظمهم من الشتات الشيشاني ولا يملكون نفوذاً قوياً في المنطقة ككل.
عملياً، تشمل القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا اليوم عدداً كبيراً من المنتمين إلى أقليات غير روسية في القوقاز ومناطق أخرى محيطة بإمبراطورية بوتين، فوفق سجلات الوفيات العامة ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي جمعتها صحيفة “ميديا زون”، تُسجّل داغستان حتى الآن أعلى عدد من قتلى الحرب من بين المناطق الإدارية الروسية كلها، ونسبةً إلى العدد السكاني، سقط قتلى من شمال أوسيتيا– ألانيا خلال الحرب بما يفوق عدد القتلى الروس بأربعمئة مرة تقريباً، كذلك ينتمي عدد كبير من قتلى الحرب الروسية إلى إنغوشيا وقبردينو بلقاريا.
هذه المعطيات دفعت البعض إلى مقارنة الوضع الراهن بأولى مراحل الحرب السوفياتية في أفغانستان، حيث شملت قوة الغزو عدداً مفرطاً من الجنود القادمين من مناطق غير روسية، وعمد الجيش السوفياتي لاحقاً إلى تغيير مواقع القوات العسكرية الآتية من الجمهوريات السوفياتية في آسيا الوسطى لإبعادها عن الخطوط الأمامية، خوفاً من تساهلها المفرط مع المدنيين الأفغان. يظن بعض المراقبين أن الحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى صحوة وطنية في المناطق المحيطة بروسيا، بما يشبه ما حصل بعد الحرب السوفياتية في أفغانستان، وتوسّعت أصداء ذلك الصراع بعد تنظيم تظاهرات محدودة ضد الحرب في طاجيكستان عام 1982، بعد ثلاث سنوات على بدء الغزو.
حتى أن الاستياء من الحرب أجّج اضطرابات كبرى في كازاخستان عام 1986، وقد اعتُبِرت هذه الحركة أقوى تعبير عن القومية المحلية في آسيا الوسطى السوفياتية منذ عقود، ثم أطلقت سلسلة الأحداث التي سبّبتها الحرب السوفياتية الشائكة أولى المبادرات التي رافقت حركة الاستقلال في آسيا الوسطى.
لا يمكن إنهاء مركزية السلطة التي رسّخها بوتين في روسيا سريعاً، وإذا لم تكن حملة القمع الوحشية التي أطلقها الكرملين ضد حركة التمرد الشيشانية كافية لتأجيج المشاعر المعادية لموسكو في أماكن أخرى من روسيا، فمن المستبعد أن تُحقق الحرب في أوكرانيا هذه النتيجة، وفي الوقت نفسه، توسّعت سيطرة بوتين في الجمهوريات الروسية خلال السنوات الأخيرة، لذا يجب ألا يتوقع أحد تصدّع روسيا وانفصال المساحات المتبقية لها من حقبة الاستعمار في القوقاز وسيبيريا وأماكن أخرى، ومع ذلك تُذكّرنا أحداث أوسيتيا الجنوبية وسواها بأن حرب بوتين غير الناجحة حتى الآن قد تصبح الشرارة التي تؤجّج الميول اللامركزية في محيط روسيا مجدداً.