بقلم: خوسيه مانويل باروسو – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – يُركز القادة السياسيون بشكل متزايد على الحاجة إلى تعزيز التأهب لمواجهة الأوبئة المستقبلية، وهم محقون في القيام بذلك. ولكن لإثبات عزمهم، يتعين عليهم تخصيص الأموال اللازمة للاستعداد لأي تحدٍ آخر قد ينتج عن الجائحة الحالية.
بَيّن التاريخ أن بعض أخطر فترات الأوبئة تأتي عندما تعود الحياة إلى طبيعتها في وقت مبكر جداً. قبل قرن من الزمان، أدت «عودة الأمور إلى طبيعتها» في وقت سابق لأوانه الموجة الثانية من الإنفلونزا الإسبانية إلى إزهاق أرواح أكثر بكثير من الوفيات الناجمة عن اندلاع الموجة الأولى، وذلك إثر ظهور سلالة أكثر فتكاً.
واليوم، تعمل العديد من دول مجموعة السبع ومجموعة العشرين على تخفيف القيود المفروضة للحماية ضد فيروس «كوفيد 19» وتحويل تركيزها بعيداً عن الاستجابة للجائحة ونحو الوقاية من الجائحة والتأهب لها (أو إلى قضايا أخرى مختلفة تماماً). وإلى أن تتمكن كل دولة من تحقيق هدف التطعيم الوطني الخاص بها، فلن يكون بوسعنا معرفة ما إذا كنا قد خرجنا بالفعل من هذه الأزمة.
ومع عدم تلقي 2.8 مليار شخص التلقيح، لا يزال الفيروس التاجي يتمتع بفرصة كبيرة للانتشار والتحول، مما قد يؤدي إلى ظهور متغيرات وطفرات جديدة أكثر خطورة.
وحتى في مواجهة الأزمات الملحة الأخرى مثل الأزمة في أوكرانيا، يجب أن تظل مكافحة فيروس «كوفيد 19» أولوية عالمية قصوى. يتمثل السبيل الوحيد للقضاء على حالة عدم اليقين وتجاوز هذه الجائحة في قيام قادة العالم بإنهاء المهمة التي بدأوها، وذلك عن طريق مساعدة العشرات من البلدان ذات الدخل المنخفض التي لا تزال تكافح لتحقيق تغطية كافية من اللقاحات.
تحتاج هذه البلدان إلى المساعدة في توسيع نطاق أنظمتها لتوصيل اللقاحات وتحويل الجرعات إلى لقاحات فعلية. الآن بعد أن حققت البلدان ذات الدخل المرتفع معدلات تغطية عالية، فقد تراجعت حدة التخزين والعقبات التي أعاقت العرض العالمي في السابق. في الواقع، يفوق العرض العالمي للقاحات الطلب العالمي لأول مرة.
هذه أخبار جيدة لجهود التطعيم العالمية، وخاصة بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، حيث تلقى أقل من %15 من الناس جرعتهم الأولى. لكنها تؤكد أيضاً على التحدي المتمثل في إيصال الجرعات إلى الناس الذين يعيشون في بيئات يصعب الوصول إليها وتفتقر إلى الموارد.
عادة ما تكون الخطوة الأخيرة الأصعب دائماً. وفي إطار الجهود الرامية إلى تحقيق التحصين العالمي والأكثر تعقيداً على الإطلاق، كافحت البلدان الغنية في إنجاح عمليات توزيع اللقاحات على الصعيد المحلي. وفي البلدان منخفضة الدخل، غالباً ما تؤدي الهشاشة السياسية إلى تفاقم مشكلة ضعف النظم الصحية.
ومع ذلك، حتى في ظل هذه التحديات، فقد تلقى %40 من الأشخاص (في المتوسط) في 92 دولة منخفضة الدخل في العالم جرعتين من اللقاح المُضاد لفيروس «كورونا» المُستجد. وهذا أمر لافت للنظر، ويرجع الفضل في ذلك إلى آلية «كوفاكس»، الجهد العالمي لتقديم اللقاحات بشكل عادل.
لقد أتاح مرفق كوفاكس 1.4 مليار جرعة، مع توفير ما يقرب من %90 من الجرعات – عن طريق آلية التزام السوق المُسبق (AMC) لمرفق «كوفاكس» التي أطلقها التحالف العالمي للقاحات والتحصين (جافي) – إلى البلدان منخفضة الدخل التي كانت ستكافح من أجل الوصول للقاحات.
بخلاف ذلك، يُعد هذا تقدماً استثنائياً مقارنة بما كان عليه الحال قبل ستة أشهر، لكنه لا يزال غير كافٍ للحد من مخاطر عودة ظهور طفرات جديدة في المستقبل، ناهيك عن القضاء على الجائحة.
وفي حين أن العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض قد قطعت شوطاً طويلاً في جهود التحصين، إلا أن العشرات من البلدان الأخرى لا تزال تعمل على توزيع اللقاحات بالسرعة الكافية، والوصول إلى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض.
ولهذا السبب، فإننا في تحالف «جافي» للقاحات نفخر بالانضمام إلى حكومة المستشار الألماني أولاف شولتز في استضافة مؤتمر القمة المعني بآلية التزام السوق المُسبق لمرفق «كوفاكس» التي أطلقها التحالف العالمي للقاحات والتحصين «جافي» التي ستنعقد في برلين هذا الأسبوع، كجزء من الرئاسة الألمانية لمجموعة الدول السبع الكبرى، إلى جانب المُضيفين المشاركين الرئيس السنغالي ماكي سال والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو.
وفي هذه القمة، سنطلق مرحلة جديدة من آلية «كوفاكس» لمساعدة البلدان على توسيع نطاق أنظمة التوصيل الخاصة بها، ولضمان حصولها على اللقاحات المناسبة، بالجرعات المناسبة، وفي الوقت المناسب.
ومن خلال المساعدة في تغطية التكاليف الإضافية للمواد الأساسية – مثل الحقن والنقل والتأمين – ستحقق هذه المرحلة الجديدة المزيد لضمان وصول الجرعات المتبرع بها إلى المزيد من الأشخاص في البلدان التي تحتاج إليها.
ولمعالجة قضايا مثل مخاطر حدوث المزيد من صدمات الإمداد أو الحاجة المحتملة للقاحات خاصة بمتغيرات مختلفة، نقوم بإطلاق مجموعة لقاحات وبائية جديدة لحماية إمدادات «كوفاكس» من الاضطرابات المستقبلية.
حتى، أو بشكل خاص، خلال فترات الاحتكاك الجيوسياسي، غالباً ما يمكن العثور على أفضل الحلول في المنافع العامة العالمية التي تخدم مصلحة الجميع.
يتطلب تعزيز هذه التدابير من جميع البلدان العمل معاً بروح من التعاون المتعدد الأطراف، حتى لو ظلت على خلاف بشأن قضايا أخرى. ويظل تحصين العالم السبيل الوحيد لإنهاء الجائحة وحالة عدم اليقين المصاحبة لها. ولكن هذا الجهد لا يمكن أن ينجح إلا بدعم من الدول الغنية.