بقلم: محمد يوسف – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – كل شيء أصبح يصلك إلى مكانك، أكلك وشربك ومستلزماتك الأخرى، كلها لا تحتاج منك سوى بضع خطوات، وهي المسافة ما بين الكرسي الذي تجلس عليه في بيتك والباب، وتوقيع على الاستلام، يقولون لك لا تتعب نفسك، حتى لو كنت تريد أن تلعب، هم يلاعبونك ببرامج تبهرك، وتربطك أمام الشاشة العجيبة الواقفة في مواجهتك.
خيارات لا محدودة، فقط يريدون منك أن تجهز بطاقة الدفع، والبقية عليهم، ويغرقونك بالإعلانات، ما إن تبحث عن غرض معين، تنهال عليك العروض، فهم يرصدونك، ويسجلون رغبتك واهتماماتك، وتتساءل إن كانوا يتجسسون عليك، وتتسامح معهم، لأنهم يخدمونك، وما داموا يفعلون ذلك، لا تشغل نفسك بالتساؤلات، لأنك لن تحصل على إجابة.
هاتفك يفشي أسرارك، و«كمبيوترك» يحصى حركاتك داخل الشبكة العنكبوتية، التي تعجز عن فهمها، ولكنهم يفهمون نيابة عنك، هم يتحولون إلى أوصياء عليك، رضيت أو لم ترضَ، لا يستأذنون منك، ولا يهمهم رأيك، ويقدمون لك في آخر الشهر قائمة بتحركاتك، والأماكن التي زرتها، فهم الذاكرة التي سحبت منك، واستقرت في هذا الجهاز الذي لا يفارق كفك!
تظن أنه سحر، وهو ليس بسحر، بل هي برامج وتطبيقات لا تحتمل سوى كلمة واحدة، وهي أنها «تجسسية»، وما خفي كان أعظم، فمن يرصد حركتك سيرصد أحاديثك، هكذا هي المعادلة، ومن هذا أو ذاك تجهز الملفات، فالذين أوصلوا الإنسان إلى الخضوع التام لأسلوب حياة، هم اختاروه، خلفهم من يريدون أن يعرفوا كل شيء عن ذلك الإنسان، ومخازن معلوماتهم لا محدودة، ومفعولها أقوى وأسرع وأكثر فائدة، وأقرب إلى الحقيقة من معلومات النهج القديم المعتمد على العملاء والعيون المزروعة في كل مكان.
وهذه حرب أخرى، حولت كثيراً من البشر إلى دمى تحركها تلك الأجهزة، التي كنا نعتقد أننا نتحكم فيها!
هي حرب السيطرة وإدارة البشر.