بقلم: رامي الخليفة العلي – صحيفة “عكاظ”
الشرق اليوم – تاريخيا فشلت العقوبات في تحقيق أي أهداف سياسية، وهي أسوأ ما أنتجه النظام الدولي الحديث والمعاصر. في كل مرة فرضت فيه العقوبات كان من يدفع الثمن هي الشعوب، بينما لم تستطع تلك العقوبات النيل من القادة والمسؤولين في البلدان (المعاقبة).
مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا بدأت سلسلة من العقوبات الغربية على الجانب الروسي التي كادت تشمل كافة الميادين، حتى أن إحدى الجامعات الغربية ألغت محاضرة عن تولستوي بحجة أنه روسي! العقوبات الغربية أرادت أن تكون ساحقة بحيث تكون ضربة قاضية للاقتصاد الروسي بحيث جمدت الودائع الروسية وكذا الأصول الروسية في الخارج ولم تترك مجالا يمكن أن تصل إليه اليد الغربية إلا وتمت معاقبته. الأسوأ هو محاولة عزل روسيا عن النظام المصرفي العالمي سويفت، وهذا يجعل الاستيراد والتصدير مسألة في غاية التعقيد، ولكنها ممكنة. الاقتصاد الروسي استوعب الضربة الأولى رغم ترنح العملة الروسية الروبل، ولكنها سرعان ما استعادت عافيتها، بل إنها حققت مكاسب أعلى مما هي عليه قبل الحرب.
السؤال البديهي الذي يجب أن تطرحه الدوائر الغربية، ما الذي ترمي إليه هذه العقوبات؟ الإجابة كما قدمها السياسيون الغربيون في شقين: الأول هو إضعاف الاقتصاد الروسي، مما يؤثر على استقرار الحكم ويزعزع الثقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشارع الروسي، إلا أن نتائج هذه العقوبات كانت عكسية ونسبة المعارضين للحرب ضئيلة جدا في الشارع الروسي، وشعبية الرئيس بوتين بازدياد.
أما الشق الثاني فهو التأثير على آلة الحرب الروسية، صحيح أن هناك الكثير من الصعوبات التي عانت منها القوات الروسية وخصوصا في بداية الحرب وفشل السيطرة على كييف، وهذا ما أجبر القيادة الروسية إلى تغيير خططها العسكرية. ولكن هذا ليس له أي علاقة بالعقوبات الغربية، بل إن القوات المسلحة كما الاقتصاد الروسي، استعادت صلابتها وبدت أكثر قدرة على تحقيق اختراقات وتقدم عسكري مضطرد، هذا لا يعني النصر في الحرب، ولكنه يعني أن القوات الروسية لم تتأثر بالعقوبات المشار إليها.
العقوبات الغربية على روسيا جعلت توريد الحبوب الأوكرانية مسألة في غاية الصعوبة وإن تمت فبكميات قليلة نسبيا، كما أن عزل روسيا عن نظام سويفت جعل توريد الحبوب الروسية مسألة لا تقل صعوبة، وإذا علمنا أن كلا البلدين يصدران ما نسبته 30% من الحبوب على مستوى العالم فيمكن تفهم أزمة الغذاء التي بدأ يعاني منها العالم، والتي تهدد بمجاعات يمكن أن تعصف بعدد كبير من دول العالم الثالث، مع أن هذه الدول لا ناقة لها ولا جمل في الحرب الأوكرانية أو في الصراع بين الغرب وروسيا. الأسوأ أن المجتمعات الأوروبية نفسها بدأت تعاني من ارتفاع أسعار المواد الأساسية حيث ارتفعت أسعار المحروقات بنسب تصل حتى 40% وهذا ما أدى إلى ارتفاع معظم المواد الأساسية وعلى رأسها المواد الغذائية.
بعد تجربة الأشهر الماضية فإن العقوبات الغربية على روسيا هي أشبه بمن يطلق النار على قدميه. بل إن موسكو استفادت من العقوبات على قطاع الطاقة فما تعذر عليها تصديره وجدت تعويضه في ارتفاع أسعار النفط. من الواضح أن على الغرب تغيير استراتيجيته، وهذا لا يتم إلا عبر الاعتراف المر بأنه فشل في سياسة العقوبات ضد روسيا فشلا ذريعا.