بقلم: إميل أمين- صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- بعيداً عن إشكالية البرنامج النووي الإيراني، وتعقيداته التي حدت بمبعوث الولايات المتحدة الخاص بشأنها، روبرت مالي، لأن يصرح في شهادة لجلسة استماع في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بقوله: “ليس لدينا اتفاق مع إيران واحتمالات التوصل إلى اتفاق ضعيفة جداً في أحسن الأحوال”، بعيداً عن هذا كله، تبدو هناك علائم في الأفق الإيراني تدلل على ما يدور في عقل إيران تجاه مقبل الأيام، وسواء توصلت إلى اتفاق أم لم تفعل، علائم فيها من الإشارات ما يكفي لقراءة ماورائيات المشهد الإيراني عما قريب، وفيها ما يكفي لتتفهم أمريكا وبقية المجتمع الدولي، طولاً وعرضاً، عمق وارتفاع شهوات قلب، وربما عقل إيران.
لماذا كل هذا التسلح الذي أعلنت عنه إيران دفعة واحدة خلال الأيام القليلة الماضية؟ وهل هذا شأن عرضي، أم أنه تكتيك يراد من ورائه لفت الأنظار لواقع مقبل لا محالة؟
البداية من عند “شهيد مهدوي”، سفينة الدعم الإيرانية الجديدة والضخمة التي يتم بناؤها بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي.
يمكن لمثل قطعة بحرية كبيرة كهذه، أن تقوم بلعب دور القاعدة البحرية المتحركة ودعم القوارب الإيرانية الصغيرة في مياه الخليج العربي، وفتح الطريق أمام المياه الدولية، لا سيما في بحر العرب والبحر الأحمر وشمال المحيط الهندي.
لا يغيب عن الأعين أن تعزيز القوة البحرية الإيرانية في منطقة تمر منها مسارات إمدادات الطاقة العالمية، أمر يبعث برسائل للمنطقة والعالم، وبخاصة في ظل الأحوال الطاقوية المأزومة من جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وصف وكالة أنباء فارس للسفينة الجديدة، لا يخلو من نغمة فوقية تقليدية؛ فقد اعتبرتها “مدينة بحرية متنقلة”، قادرة على “ضمان أمن الخطوط التجارية الإيرانية وحقوق البحارة والصيادين الإيرانيين”، وهي محاولة لتصدير صورة أو قراءة في المعكوس، بمعنى إظهار مظلومية إيرانية مزيفة، في حين أن القاصي والداني يعلم أنها هي من تهدد جيرانها وكذا حركة الملاحة في المنطقة برمتها.
الإشارة الثانية التي صدرتها طهران للعالم نهار السبت الماضي، تمثلت في الكشف عما قالت إنه “قاعدة سرية تحت الأرض” للطائرات المسيّرة، تابعة للجيش الإيراني.
ما أماطت عنه اللثام وكالة الأنباء الإيرانية “فارس”، يفيد بأن رئيس هيئة القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، زار إحدى القواعد السرية للجيش الإيراني لصنع الطائرات المسيّرة، وهناك اطلع على “أحدث الإنجازات الإيرانية في مجال صنع أنواع الطائرات المسيّرة العسكرية الهجومية بعيدة المدى”.
هذه العلامة تحديداً تحمل رسالة مبطنة للولايات المتحدة، رسالة مفادها أننا لا نخشى تهديداتكم، وذلك رداً على مشروع القانون الذي تم تمريره في مجلس النواب الأمريكي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لمواجهة الطائرات المسيّرة الإيرانية، يستهدف إيقاف إنتاجها ومنع تصديرها بعدما زادت عدائياتها في منطقة الشرق الأوسط.
ثالثة الأسافي وضمن سياق أدوات الشر والموت التي تسعى إيران في طريقها، جاء الإعلان عن امتلاك الترسانة التقليدية الإيرانية لصاروخ جديد يمكن إطلاقه من المسيرات عينها، يبلغ مداه 200 كيلومتر، وتصل سرعته في لحظة إصابة الهدف إلى 1000 كيلومتر في الساعة، وهو أول صاروخ كروز إيراني يمكن إطلاقه من المسيّرات، كما يمكن تركيبه على المسيّرتين الإيرانيتين “فطرس” و”كمان 22″.
ولعل ما ينبغي التوقف عنده بأكثر من مجرد مراجعة مراحل التسلح الإيراني الجديد، وقد يكون هناك ما هو أخطر لم يتم الكشف عنه، الصيغة التي تحدث بها باقري، حيث اعتبر أن “الجيش الإيراني قد دخل ساحة المواجهة المتغيرة التي نواجهها اليوم وفي المستقبل، وذلك بفهم دقيق لمتطلبات المعارك المستقبلية، ومن خلال استخدام أساليب ومعدات حديثة”.
وخلال جلسة المصادقة على تعيينه في مجلس الشيوخ، شرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن، كيف أن الرئيس بايدن يهدف للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران “كمنصة للسعي إلى اتفاق أطول وأقوى”.
يتساءل كثير من الأمريكيين اليوم: هل إدارة بايدن تنافي وتجافي الصدق في أحلامها الأقرب للأوهام؟
القصة ببساطة هي أن إيران ومن غير برنامج نووي، تسعى وبأسلحتها التقليدية إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي أول الأمر والعالمي تالياً، ويكفي نظرة عليا محققة ومدققة للسفينة الجديدة “شهيد مهدوي”، ليتأكد المرء من أنها يمكن أن تؤدي دوراً في عمليات التجسس والتخريب التي درجت عليها طهران في المنطقة عبر أذرع “الحرس الثوري”، ناهيك بإمكانية تجهيزها بصواريخ بعيدة المدى قادرة على تهديد وتحديد حركة الملاحة في مضيق هرمز مباشرة، ومضيق باب المندب، من خلال وكلائها في اليمن من الحوثيين.
وتبقى علامة الاستفهام التي ليس منها بد: “كيف يمكن أن ترتد سباقات التسلح الإيراني على جيرانها”؟ حكماً لن يقفوا عاقدي الأذرع على الصدور.
الخلاصة… القول باتفاق نووي هو خدعة كبرى، ويكفي إيران ما لديها من أسلحة تقليدية، لجعل نهار المنطقة والعالم قلقاً وليلهما أرقاً.