بقلم: إيمي ماكينون
الشرق اليوم- فشلت القوات الروسية في الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية كييف وبدأت تحرز تقدّماً متقطعاً شرقاً، لكنّ المجزرة الاقتصادية الناجمة عن الحرب والحصار الروسي لموانئ أوكرانيا قد تطرح تهديداً وجودياً إذا عجز شركاء البلد والمؤسسات متعددة الأطراف عن سدّ النقص المتزايد، فوفق تقديرات المسؤولين في الحكومة الأوكرانية، يحتاج البلد إلى 5 مليارات دولار إضافية شهرياً لتغطية كلفة الخدمات الأساسية ودفع رواتب الجنود بعدما تراجعت العائدات الضريبية منذ بدء الحرب في أواخر شهر فبراير، وسبق أن بلغت قيمة الأضرار المادية التي سببتها الحملة الروسية نحو 94 مليار دولار، وقد تصل كلفة إعادة الإعمار إلى نصف تريليون دولار.
يتوقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة قد تصل إلى 45% هذه السنة، وفي المقابل من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 11% بعد تعرّضه لعقوبات اقتصادية غربية غير مسبوقة وغداة انسحاب نحو ألف شركة غربية خلال وقت قصير، وفي الأسابيع الأولى من الحرب، خفّضت الحكومة الأوكرانية الضرائب إلى 2% في محاولةٍ منها لمساعدة الشركات على الصمود، وقررت أيضاً إلغاء ضرائب القيمة المضافة والرسوم الجمركية على الواردات لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية والعسكرية إلى البلد، واستُعمِلت تدابير ضبط رأس المال للحفاظ على استقرار العملة، وعلى مر الحرب، تابع النظام المصرفي الأوكراني عمله ولم تنقطع خدمة الإنترنت في معظم أنحاء البلد، ويقول أندي هاندر، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في أوكرانيا، إن استطلاعاً جديداً وسط أعضاء المنظمة يكشف أن 41% من الشركات تتابع العمل بشكلٍ طبيعي، ويدفع 88% منها كامل الرواتب للموظفين حتى الآن، وعلى صعيد آخر قال خُمس أعضاء غرفة التجارة إن أضرار الحرب أثّرت عليهم بدرجة معيّنة، واعترف 7% منهم بأن موظفاً واحداً على الأقل قُتِل في الصراع.
في ظل استمرار الحرب، تابعت التكاليف المترتبة على الاقتصاد الأوكراني ارتفاعها وسرعان ما أطلقت سلسلة من التحديات الاقتصادية واللوجستية، وفي الوقت نفسه تصاعد معدل التضخم وحصل نقص حاد في إمدادات البنزين في جميع أنحاء البلد، لأن القوات الروسية استهدفت موانئ أوكرانيا وأكبر مصفاة نفط فيها، وكانت الموانئ الأوكرانية مسؤولة عن 70% من واردات البلد وصادراته قبل الحرب، ويشكّل الحصار الروسي المستمر في البحر الأسود أكبر تهديد على الاقتصاد الأوكراني اليوم.
في هذا السياق، يقول ديميتري ألبيروفيتش، أحد مؤسسي منظمة Silverado Policy Accelerator ورئيسها التنفيذي: “تتوقف نتيجة هذه الحرب على نجاح أوكرانيا في إعادة إحياء اقتصادها، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف من دون كسر الحصار الروسي”، كذلك لا تُقارَن الجهود الأوروبية والأمريكية الرامية إلى نقل الصادرات شمالاً، عبر طرقات وسكك حديد أخرى، بحجم العمليات التي اعتادت الموانئ الأوكرانية على القيام بها، فقد كانت تُصدّر 5 ملايين طن من الحبوب شهرياً من مستودعات في مدينة “أوديسا” الأوكرانية مثلاً قبل الحرب، كذلك تؤمّن روسيا وأوكرانيا نحو 30% من إمدادات القمح العالمية، لكن الحرب جاءت لتزيد المشاكل سوءاً وتُرسّخ انعدام الأمن الغذائي في حياة ملايين الناس حول العالم، وقال ديفيد بيسلي، رئيس برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، خلال اجتماعٍ لمجلس الأمن قيب أيام: “نحن نواجه أزمة غير مسبوقة فعلاً”.
إلى جانب الدعم الفوري الذي تحتاج إليه الحكومة الأوكرانية اليوم، طرح مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية نوعَين آخرَين من الدعم الذي يحتاج إليه البلد مستقبلاً، فعلى المدى المتوسط تحتاج أوكرانيا إلى دعم دولي كبير للبدء بإعادة إعمار البنية التحتية الأساسية التي دمّرتها الحرب، وتحتاج الحكومات المحلية إلى الدعم أيضاً لإعادة اللاجئين والنازحين وتسهيل تعافي الاقتصاد، أما المرحلة الثالثة من الدعم، فهي تتعلق بإعادة إعمار البلد على المدى الطويل ويصعب توقّع تكاليف هذا المشروع منذ الآن.