بقلم: مصطفى النعمان – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- أودُّ اليوم أن أعيد تأكيد نقطتين رئيستين تتعلقان بقضيتين حيويتين لا يمكن تجاوزهما أو إهمالهما، لأنهما تؤسسان لمدى قبول المواطنين بالحكم الجديد واستعدادهم لمنحه المشروعية والفرصة للقيام بالمهام المناطة به.
وقبل الحديث عن هاتين القضيتين لا بد من دق ناقوس التحذير حول الاستعجال في اتخاذ قرارات غير مدروسة وغير متوافقة مع الدستور والقوانين واللوائح وتتسبب في إرباك لدى الرأي العام المستنفر والمتابع لكل ما يقوم به رئيس المجلس، وخصوصاً المجلس مجتمعاً. وإذا ما فقد المجلس الحساسية واستشعار ما يدور في ذهن المواطنين، واكتفى بالبيانات التي لا تقدم سوى مزيد من الوعود غير الواقعية، فإن مزيداً من الإحباط سيعمُّ الشارع اليمني، وسيرفع من منسوب التوتر الذي يبلغ مداه مع تدهور الحال المعيشية وسوء الخدمات.
لقد تراكم الإهمال الحكومي على مدى السنوات السبع الماضي وبلغ حداً ما عاد بالإمكان الصمت عنه وتجاهل آثاره المدمرة على جميع الصعد، والأخطر أنه يدفع بمزيد من اليأس إلى نفوس الناس ويزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي الذي يتفسخ بسرعة تفوق القدرة على احتواء المخاطر الناجمة عن التكاسل والفساد وانعدام الكفاءة.
إن التحديات التي تواجه المجلس الجديد غير قابلة للحل ما لم يتم اتخاذ قرارات عاجلة جادة ومدروسة ومتوافق عليها، وبعيدة عن الإفراط في الانشغال بتعيينات لا تحمل صفة الاستعجال ومن دون تمحيص في كفاءة المرشحين ومؤهلاتهم مما يجعل الرأي العام غير قادر على الانتظار فيفقد الأمل في حدوث أي تطورات إيجابية. كما أن تمضية الوقت الثمين لقيادة المجلس في اجتماعات ولقاءات لا تعود بالمنفعة على الناس ولا تهمهم، وعلى المجلس إظهار عزيمة الإنجاز دون ضجيج إعلامي لا يفيد ولا يعود بالنفع على البلد، بل على العكس يعطي انطباعاً بعدم الانشغال بقضايا الناس وهمومهم.
أشرتُ كثيراً إلى الأهمية القصوى لمعالجة تعدُّد ولاءات التكوينات المسلحة التي صار قادتها ممثلين في أعلى هرم الدولة (مجلس القيادة الرئاسي)، وهنا يصبح من المهم الاعتراف أن أمر دمجها سيشكل عقبة صعبة مهما حاول البعض التهوين منها أو إحالة أمرها إلى العواصم التي ترعى وتدعم هذا التكوين أو ذاك. والسبب أن المصالح المحلية التي تضخمت والغايات السياسية المتضاربة التي ترسخت عبر السنوات السبع الماضية تجعل من المهم والحتمي استبعاد المقاربات السطحية الساذجة لمعالجة أزمات البلد الكبرى التي قادته إلى هذا المنزلق الحاد.
من الممكن بدلاً من التفكير والإصرار علـى فكرة الدمج الذي لا يمكن حدوثه قبل توحيد الهدف السياسي أن يتم الاتفاق على قيام غرفة عمليات مشتركة تكون مهمتها الوحيدة تثبيت الأوضاع الأمنية في المحافظات الجنوبية، وخلال هذه المرحلة يستمر الحديث الصريح بين أعضاء المجلس الثمانية دون مجاملات حول المسارات التي يجب سلوكها لتحقيق الهدف الذي أعلن عند تعيينهم، وهو البدء في إعداد البلاد لمرحلة مشاورات سياسية تفضي إلى الاستقرار المنشود، وصولاً إلى تحقيق السلام الدائم بعد سنوات من نزيف الدماء والدمار والعبث بمقدرات اليمن. القضية المحورية الثانية هي معالجة الأوضاع المعيشية ووقف الانهيار المستمر للاقتصاد.
إن اعتماد “المجلس” على الدعم الذي وعدت به السعودية والإمارات ليس هو الحل الناجع الذي يمكنه معالجة الاختناق الحاصل اليوم في أحوال الناس، بل إنه من وجهة نظري ليس أكثر من مسكن لحظي لن يستمر مفعوله لأكثر من شهرين على أفضل التقديرات بسبب الانهيار الكامل للمنظومة الاقتصادية، ومعها كل الخدمات الأساسية في عموم اليمن. وهنا يكون المدخل الحقيقي الذي يمكن له المساهمة في تحسين الأداء المالي هو إيداع كل إيرادات البلاد في جميع المحافظات البعيدة عن سيطرة الحوثيين في البنك المركزي، وكذلك إيرادات الدولة من الموانئ والمنافذ.
وأيضاً من المهم القول إن الثقة الإقليمية والدولية بالمؤسسات القائمة بلغت أدنى الحدود بسبب الفساد وتضارب السلطات والصلاحيات وتكاثر اللجان التي صارت تتنافس بينها للاستحواذ على القرار. وعلى سبيل المثال فمن غير المفهوم وجود جهاز لاستيعاب المساعدات الخارجية التي لم يسمع عنها المواطن ولا يتم الإفصاح عنها ولا عن نشاط الجهاز وما حققه ويعمل على الرغم من وجود وزارة للتخطيط والتعاون الدولي، ولا أحد يعرف طبيعة العلاقة بينهما. وهذا لا يعني أن وزارة التخطيط تقوم بعملها، لكني أتحدث عن الارتباك المؤسسي بسبب صراعات النفوذ داخل الحكومة الحالية، ثم هناك اللجنة الاقتصادية المشكلة بموجب إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل (نيسان) 2022 وتحاول أن تضع نفسها فوق جميع المؤسسات الرسمية بداية بالبنك المركزي، مروراً بوزارتي المالية والتجارة.
من واجب مجلس القيادة الرئاسي فك الاشتباكات المربكة الحاصلة بين مختلف المؤسسات والبدء في إلغاء أو دمج اللجان التي تسبب إرباكاً أكثر من كونها عوناً كما أن تكلفة نشاطاتها وتحركاتها تشكل عبئاً إضافياً لا معنى له، والأجدى ملء فراغ دوائر مكتب رئاسة الدولة بالكفاءات القانونية والاقتصادية والمالية دون مجاملات ومحاصصة مناطقية أو حزبية، وبعيداً من ضيق الأفق الذي سيكون من نتائجه الحتمية الشلل الكامل ولربما عاد الناس بذاكرتهم إلى الماضي القريب حين كان الكل يشكو فردية وطريقة اتخاذ القرار.
“المجلس” الجديد أمامه فرصة نادرة لاكتساب مشروعية وطنية، ولإنجاز ذلك عليه مجتمعاً الحرص على دراسة كل قرار قبل اتخاذه والتيقن من دستوريته دون التحجج بالظروف الاستثنائية التي تفتح أبواب العبث الإداري الذي ينتج عنه اضطراب سياسي وفقدان للثقة. ولربما صار من المهم بصورة عاجلة توزيع المهام بين أعضاء المجلس السبعة بصورة قانونية ليشرف كل واحد منهم على قطاع حكومي، ويصبح مسؤولاً أمام المجلس مجتمعاً، ثم أمام الناس.
في الأخير، لا بد من إعادة التذكير بأن مهمة “المجلس” الأساسية هي التوصل إلى السلام في أسرع الآجال ولتحقيق ذلك يجب أن يكون ذلك عنواناً لكل خطابه السياسي والابتعاد عن لهجة الشحن الإعلامي الذي يزيد من فرقة اليمنيين.