بقلم: بيتر كوي – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – أسعار البنزين ووقود الديزل مرتفعة إلى حد جنوني، كما أن شركات تكرير النفط تحقق أرباحاً هائلة. ولكن المصافي النفطية، التي تحول النفط الخام إلى منتجات استهلاكية، لا تتلاعب بالأسعار — بمعنى، أنها لا تتعمد دفع سعر مرتفع بشكل غير عادل.
تسليط الضوء على مزيج من الحقائق ليس مناسبا لأي من الجانبين في النقاش حول ما يجب فعله حيال ارتفاع أسعار الوقود. لا تفضل المصافي لفت الانتباه إلى هوامش الربح الكبيرة. وأنصار قانون مكافحة التلاعب — مثل قانون منع التلاعب بأسعار الوقود للمستهلك.
هناك أمر لا يستطيع أحد إنكاره، أن أسعار الوقود ارتفعت إلى عنان السماء. أما بالنسبة للبنزين العادي، فإن متوسط سعر التجزئة على المستوى الوطني يبلغ 4.49 دولار للغالون، بزيادة قدرها 1.46 دولار عن العام السابق، وذلك حسبما أوردت إدارة معلومات الطاقة في 18 مايو (أيار). أما بالنسبة للديزل على الطرق السريعة، كانت الزيادة أكثر تطرفا، حيث بلغت 5.61 دولار للغالون، بزيادة قدرها 2.36 دولار على العام السابق.
كما لا يمكن إنكار أن هوامش أرباح المصافي قد اتسعت. يوضح الرسم البياني المرفق السبب. ويُظهر ما يعرف باسم «الانتشار المتصدع»، أي الفرق بين سعر النفط الخام وسعر المنتجات المصنوعة منه. ويبين الرسم البياني الانتشار، الذي يُقاس في ميناء نيويورك، بين تكلفة برميلين من النفط الخام (المدخلات) وبرميل واحد من البنزين بالإضافة إلى برميل واحد من الديزل (المخرجات). وقد تضاعف هذا الانتشار تقريبا 5 مرات هذا العام. إنه لا يعكس التكاليف الثابتة لإدارة المصفاة، لكن عندما تتسع بالطريقة المشهودة، يمكن التأكد من أن المصافي تعمل بشكل جيد للغاية.
أليس هذا دليلاً واضحاً على التلاعب بالأسعار؟ أود أن أقول كلا. لكي تتلاعب، الذي هو عمل متعمد بحكم التعريف، يجب أن تكون قادراً على السيطرة على السعر الذي تتقاضاه. لكن شركات التكرير لا تملك أي قدر يُذكر من السيطرة في الأمد القريب على الأسعار التي تتحصل عليها للمنتجات التي تصنعها. وبلغة مكافحة الاحتكار فإنَّ المصافي هي «محتجزة الأسعار» وليست «محددة الأسعار».
المنتجات المكررة مثل البنزين والديزل هي سلع نقية: موحدة، وقابل للتخزين، وسهل التداول والإنتاج من قبل آلاف المنافسين في السوق العالمية. والشركة التي تحاول تقاضي سنت أكثر من منافسيها سوف تخسر عملاءها بسرعة. لم يحدث قط أن ابتعدت الأسعار كثيرا عن الأسعار الجارية في سوق العقود الآجلة، حيث «يشتري التجار ويبيعون استنادا إلى تصوراتهم لعرض السوق والطلب»، كما أخبرني أندرو ليبو، رئيس شركة «ليبو أويل» الاستشارية في هيوستن.
وتقول سوزان غريسوم، محللة الصناعة الرئيسية في الجمعية الأميركية لمصنعي الوقود والبتروكيماويات: «في سوق العقود الآجلة، لا تعرف من تشتري منه ومن تبيع إليه».
المحتكرون يمكنهم رفع الأسعار عن طريق منع العرض من السوق، لكن المصافي لا يمكنها ذلك عموماً. إنهم ينتجون أكثر ما يمكنهم — ليس لأنهم مواطنون جيدون ولكن لأنه كلما زاد إنتاج كل منتج، زاد جني المال.
إن الرئيس بايدن المحبط بسبب التضخم المرتفع يهدد منتجي النفط والمصافي بالتحقيقات الفيدرالية حول ممارساتهم في التسعير. ففي شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وحتى قبل أن تبدأ الأسعار حقاً في الارتفاع، طلب من لجنة التجارة الفيدرالية البحث عن الأدلة المؤكدة للتلاعب. فبعث إلى رئيسة اللجنة لينا خان يقول: «أنا لا أقبل أن يدفع الأميركيون المجتهدون المزيد من الأموال لشراء الغاز بسبب السلوك غير القانوني أو غير التنافسي».
لكن إرغام شركات التكرير على قبول أسعار أقل لمنتجاتها من شأنه أن يخلق نقصا في الإمدادات. فالطلب على البنزين والديزل ووقود الطائرات، وغيرها من المنتجات المكررة بأسعار منخفضة بشكل مصطنع، سيكون أكبر من العرض، وهي وصفة مباشرة للفوضى. وقال لورانس سمرز من جامعة هارفارد، وكان وزيرا للخزانة في إدارة كلينتون، لتلفزيون بلومبرغ هذا الشهر: «تغير الأسعار في المصافي والأمور الأكثر عمومية في التلاعب بالأسعار، تعني بالنسبة لعلوم الاقتصاد ما تعنيه تصريحات الرئيس ترامب حول التعقيم في الأوردة (الحقن بالمطهرات) بالنسبة للعلوم الطبية».
فقد طلب من لجنة التجارة الفيدرالية عدة مرات على مر السنين التحقيق في مزاعم التربح من النفط والغاز، كما وجدت على نحو ثابت أن الارتفاعات الحادة في الأسعار كانت نتيجة للعرض والطلب «غير المرنين» بطبيعة الحال، وفي الأمد القريب، يتطلب الأمر زيادة كبيرة في الأسعار لثني الناس والشركات بشكل كبير عن شراء الوقود الأحفوري والبتروكيماويات. ومن الصعب التأثير على العرض بالنسبة للسعر، لأن المصافي تعمل بصفة عامة بكامل طاقتها أو بالقرب من ذلك.
هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام. من الواضح أنه ليس كذلك. والأسعار المرتفعة اليوم لها أسباب عديدة، بما في ذلك الانتعاش السريع غير المتوقع في الطلب الاستهلاكي، وزيادة صادرات المنتجات المكررة إلى أوروبا، وقطع إمدادات الهيدروكربونات من روسيا، بما في ذلك زيت الديزل، الذي يعتبر مدخلاً مهماً للمصافي الأميركية.
السبب الأكثر استدامة لارتفاع الأسعار يتلخص في خفض قدرة التكرير في الولايات المتحدة. وقد شهدت مصفاة كبرى في جنوب فيلادلفيا انفجارا واندلاع حريق هائل سنة 2019، ولم يُعد فتحها قط. كما أغلقت مصاف أخرى في كاليفورنيا، ولويزيانا، ونيو مكسيكو، ونورث داكوتا، ووايومينغ. فقد انخفضت القدرة التشغيلية على مستوى الصناعة بنسبة 5 في المائة منذ بداية 2020. كتبت إيريكا بيريمان، المتحدثة باسم مصنعي الوقود والبتروكيماويات الأميركيين، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لم تفقد أي دولة من قدراتها أكثر من طاقتنا، على الرغم من أنه يتم التخطيط لمشاريع عالمية للتعويض عن الخسائر في غضون عقد من الزمن».
في حين أن للمصافي حافزاً قصير الأجل لإنتاج أكبر قدر ممكن، فإن الحافز طويل الأجل لديها هو توخي الحذر بشأن رفع القدرة. ومن منطلق إدراكها لهذه الحقيقة، فإن شركات التكرير عازفة عن الاستثمار بكثافة في المصافي التي قد تتحول قريباً إلى كيانات عتيقة بسبب القيود التنظيمية أو أشكال الطاقة المتجددة.
تفضل وول ستريت أن تدفع شركات التكرير الديون المستحقة عليها، وأن ترفع توزيعات الأرباح، وإعادة شراء الأسهم بدلاً من بناء المزيد من القدرة على التكرير. وكان هذا واضحاً في الشهر الماضي من الأسئلة التي طرحها محللو الأوراق المالية في الاستدعاءات الخاصة بأرباح الربع الأول من شراء اثنين من أكبر شركات التكرير، شركتي «فاليرو» و«فيليبس 66». وسأل فيل جريش المحلل لدى جيه بي مورغان للأوراق المالية عن دعوة فاليرو في 26 أبريل (نيسان) قائلاً «هل تفكر في خفض الرافعة المالية للأسفل؟ – أي سداد المزيد من الديون».
ما ينسحب على المصافي ينسحب كذلك على منتجي النفط والغاز. وعندما سئلوا عن السبب الرئيسي الذي يمنع الإنتاج رغم ارتفاع الأسعار التى يمكن تحقيقها، أفادت 59 في المائة من 132 شركة للبترول والغاز بالضغوط التي يمارسها المستثمرون عليهم للتصرف بحذر بالغ في كيفية إدارة رؤوس أموالهم، كما جاء في دراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي فرع دالاس في مارس (آذار) الماضي.