بقلم: خالد اليماني- اندبندنت عربية
الشرق اليوم- في بداية فبراير (شباط) الماضي، ناشد الرئيس الأمريكي جو بايدن، في خطاب بالكونغرس، خصومه السياسيين في الحزب الجمهوري جسر الانقسامات الملموسة في صفوف الأمة الأمريكية. واعتبر أن الوحدة لا تعني أن على الأمريكيين الاتفاق على كل شيء، إنما أن يؤمن عدد كاف من الأمريكيين بجوهر الأمور الأساسية، ألا وهي الصالح العام والإيمان بالولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ ذلك الخطاب، لم تترجم مناشدة الرئيس إلى أفعال مشتركة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بل إن الاستقطاب السياسي بات أكثر حدة بشكل مقلق، مما حدا بكتاب الرأي والمفكرين الأمريكيين للتحذير من أخطار الاستقطاب على مستقبل الانسجام الاجتماعي والسياسي داخل المجتمع الأمريكي.
وأعاد كاتب مقالات الرأي في صحيفة “نيويورك تايمز”، توماس فريدمان، في مقاله الأسبوع الماضي، بعنوان “غدائي مع الرئيس بايدن”، السبب الذي أدى بالأمريكيين إلى انتخاب الرئيس بايدن إلى أملهم في أن يتمكن من استعادة اللحمة الوطنية، من منطلق أنه من دون تحقيق الحد الأدنى من وحدة الهدف والاستعداد لتقديم التنازلات، فلن يكون أي شيء آخر ممكناً.
وعبر الكاتب عن خشيته، بعد مرور عام ونصف العام من وصول بايدن إلى الحكم، من أن يكون الأمريكيون على وشك كسر شيء ذي قيمة، وبمجرد كسره سيختفي دون رجعة، وقد لا يتمكن الأمريكيون من استعادته.
ويرى كثير من المراقبين أن فشل الرئيس في معالجة الخلل السياسي، وترميم الشرخ المجتمعي، هو أكبر التحديات التي تواجه الأمة الأمريكية. فعلى الرغم من قوة المؤسسات الديمقراطية الأمريكية، إلا أن قلبها النابض كان وما زال يكمن في الانتخابات الديمقراطية على مختلف المستويات، والتداول السلمي للسلطة، والقبول بنتائج الانتخابات، وهي المعادلة التي أبقت الولايات المتحدة التي نعرفها حتى اليوم.
ويخشى الديمقراطيون وصناع الرأي الدائرين في فلكهم، من زيادة تأثير خطاب اليمين الترامبي، الذي ما زال يكتسح انتخابات الولايات المختلفة على أساس الغش الذي أوصل بايدن إلى السلطة، وسرقته الانتخابات من الرئيس دونالد ترامب.
وفي الواقع، فإن تأثير الترمبية بات واضحاً، وخفت صوت الجمهوريين التقليديين، وصار كل سياسي جمهوري في أمريكا يسعى للفوز بموقع سياسي في الإدارات المحلية أو في الولايات أو على المستوى الاتحادي، يتسابق في إظهار الولاء للترمبية كسباً للشعبية.
قائمة التحديات وتداعياتها
حينما دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض، كانت أمامه جملة من التحديات التي أعد نفسه لمواجهتها، وأبرزها مواصلة قيادة المعركة الوطنية لمواجهة انتشار جائحة كورونا ومتحوراتها، وإعادة إنعاش الاقتصاد الأمريكي عبر خطط ضخمة ضمن رؤية “بايدنوميكس” الاقتصادية، أو “إعادة البناء بشكل أفضل”.
ولكن هذه التحديات، على الرغم من جسامتها، كانت وما زالت أخف وطأة على بايدن من مواجهة الخلل السياسي وترميم الشرخ المجتمعي ومواجهة الطروحات الترامبية التي تكتسب يوماً بعد يوم صدى متزايداً بين الأمريكيين، ومن المتوقع ظهور نتائج تأثيرها خلال الانتخابات النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وكأن هذه التحديات ليست كافية في وجه الإدارة الديمقراطية، فقد شكل الهجوم الروسي على أوكرانيا ضغطاً متزايداً على الإدارة التي استنفدت كثيراً من الجهد والقدرات المحلية والدولية لمواجهته. ويعتبر الكاتب تايلور بيجر، في مقاله المنشور في بداية مايو (أيار) الحالي في صحيفة “واشنطن بوست”، أن الرئيس بايدن استنزف معظم وقته خلال الأشهر الماضية لتنسيق الرد العالمي على الهجوم، وهو جهد يلقى دعماً من الحزبين في الكونغرس، ولكن الرئيس يواجه تحديات رهيبة في الداخل الأمريكي.
وشهدت الأشهر الماضية من عمر الإدارة الديمقراطية زيادة كبيرة في أسعار الوقود، وحطم معدل التضخم أرقاماً قياسية غير مسبوقة منذ 40 عاماً، وتزايدت مشكلات سلاسل التوريد، وارتفعت معدلات الجريمة، فلا يمر يوم من دون مذبحة ترتكب في هذه الولاية أو تلك، يروح ضحيتها الأبرياء من طلاب المدارس والمجتمعات المحلية.
ومع بداية مايو الحالي، أشارت التقارير إلى أن الاقتصاد الأمريكي تقلص بشكل غير متوقع في الربع الأول من العام الجاري، على الرغم من خطط بايدن وحزمه الاقتصادية التحفيزية ومستويات الإنفاق الكبيرة التي رافقتها. ويجادل بعض الخبراء الاقتصاديين في أن زيادة الإنفاق قد تكون أسهمت في ارتفاع مستويات التضخم.
وفي استطلاع للرأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة “آي بى سي” الإخبارية، أخيراً، فإن تسعة من كل عشرة أمريكيين عبروا عن سخطهم من الارتفاع المتزايد للأسعار. أما ما يتصل بإدارة الشأن الاقتصادي فإن 50 في المئة من الأميركيين عبروا عن ثقتهم بالإدارة الاقتصادية للجمهوريين، مقارنة بـ36 في المئة قالوا إنهم يثقون بالديمقراطيين.
ويرجح المراقبون أنه حيال هذا الوضع الاقتصادي المتردي، والتحديات المتزايدة التي تقف في وجه إدارة بايدن، سيواجه الديمقراطيون تداعيات وخسائر خلال الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، ما قد يفقدهم السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، بالتالي سيكون من المستحيل على الرئيس بايدن تمرير الصفقات التي يريدها في الكونغرس لمعالجة التغير المناخي وخفض تكاليف وصفات الأدوية وزيادة الضرائب على الأثرياء.
ماذا يجري في أمريكا؟
تتفاوت تحليلات خبراء الرأي في أمريكا في تقييم ما يجري وتداعياته على المشهد السياسي والانتخابات المقبلة، فهناك من يقول إن أمريكا ستخرج من عنق زجاجة التضخم خلال الأشهر المقبلة، وسيفي الديمقراطيون بوعودهم، فيما يركز الجمهوريون في حملاتهم على فشل الديمقراطيين وعدم كفاءتهم في إدارة واشنطن بعد أن منحهم الشعب الأمريكي ثقته الكبيرة في الكونغرس بغرفتيه.
ويعتبر الجمهوريون وبعض الديمقراطيين أن الخلل يكمن في خطة “بايدنومكس” أو “إعادة البناء بشكل أفضل”، من حيث أن تدفق كثير من السيوله في الدورة الاقتصادية أدى إلى مستويات التضخم غير المسبوقة التي تشهدها البلاد.
وفيما يشهد بايدن انخفاض رأسماله السياسي إلى أدنى مستوياته قبيل ستة أشهر من الانتخابات النصفية المهمة، يرى البيت الأبيض أن جهوده الكبيرة في إصدار القوانين التي وفرت المليارات من الدولارات لصالح استثمارات جديدة في الطرقات والجسور والبنية التحتية لم تلق التقدير اللازم. وفي بداية مايو الحالي، قال الرئيس بايدن خلال اجتماع لجمع التبرعات لصالح المرشحين الديمقراطيين في سياتل، إن “ما يقلقني هو أننا ركزنا على مواجهة أي حالة طوارئ فورية، وأغفلنا أن نروج لما فعلناه للشعب الأمريكي”.
وأمام تزايد حال القلق العام والخوف من المقبل، وحيال خطابات الشحن الاجتماعي، وضغوط الحياة والتضخم، وغلاء الأسعار، وانتشار الجريمة، والصراع الذي تقوده الترامبية لهزيمة الديمقراطيين، وحيال الدور الذي يلعبه اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يضغط في صالح تنفيذ أجندته التي تأتي على النقيض من الخطاب الترامبي، يتعرض المواطن الأمريكي لمزيد من الشحن الاجتماعي. ويرى الكاتب فريد زكريا في مقاله في “واشنطن بوست”، في منتصف فبراير الماضي، أن “الخوف غير الملموس هو أكثر أهمية من الحقائق الموضوعية”.
وينقل الكاتب ما توصلت إليه الباحثة في علم الاجتماع ديانا موتز، من جامعة بنسلفينيا، بشأن تقييمها لانتخابات 2016، التي أوصلت ترمب إلى البيت الأبيض. وهو أن “الأميركيين في سلوكهم الانتخابي عكسوا القلق المتزايد لدى من أسمتهم المجموعات ذات المكانة العالية… فقد إسهم كل من التنوع العرقي المتزايد، والعولمة، في تزايد شعور الأمريكيين البيض بأنهم محاصرون بواسطة آليات التغيير الجارية”.
ويصل الكاتب إلى خلاصة مبنية على الإحصاءات التي تشير إلى أن أمريكا، البلد الذي يقود العالم علمياً، هي الأدنى بين الدول الصناعية المتقدمة، نسبة إلى معدل تلقيح البالغين بالكامل ضد وباء كورونا. ويعيد ذلك إلى أن أعداداً كبيرة من الأمريكيين يقبلون تعريض حياتهم لمخاطر الإصابة بالمرض المميت، على الرضوخ لأن تملي عليهم (النخب) ما يجب القيام به”.
وحيال هذه المخاوف التي تغذي أشكال التنافر الاجتماعي، وحيال المشهد الاقتصادي الصعب، هل سيكون بمقدور الرئيس بايدن قلب المعادلة، وكسب قلوب الأمريكيين، واستعادة روح الأمة الأمريكية وديمقراطيتها وجَسر الهوة المجتمعية، ومعالجة مخاوف جميع مكونات الشعب، كي يحقق الديمقراطيون الفوز في الانتخابات النصفية التي تفصلنا عنها ستة أشهر فقط، ما سيؤهل الرئيس بايدن للنظر بثقة نحو الانتخابات الرئاسية في نهاية 2024، أم أن التغيير الجمهوري بات وشيكاً.
خلال لقائه حول طاولة الغداء مع ِتوماس فريدمان، أقر الرئيس بايدن بأنه على الرغم من إنجازاته ونجاحاته في توحيد التحالف الغربي، واستعادة مكانة حلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا، إلا أنه قد لا يتمكن من إعادة توحيد أمريكا.