بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – لا يزال الانقسام سيد الموقف في ما يتعلق بمسألة حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط والغاز الروسيين. في مقدم المعترضين تأتي المجر التي وضعت شرطاً تعجيزياً على التكتل الأوروبي لتسهيل التوصل إلى قرار في هذا الشأن، وهو الحصول على 500 مليار دولار لجعل بنيتها التحتية تتكيف مع الفطام عن موارد الطاقة الروسية.
وإذا كانت المجر تتصدر الواجهة، فإن دولاً أخرى، تطالب بأن تعطى مهلاً أطول للاستغناء عن الغاز الروسي، أو المطالبة بتعويضات كبيرة ليس في مقدور الاتحاد الأوروبي تحمّلها.
وفي الوقت نفسه، تتعرض أوروبا لانتقادات حادة من جانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لأنها لم تتوقف حتى الآن توقفاً كاملاً عن استيراد الغاز من روسيا من جهة، ومن جهة ثانية لأنها لا تزود أوكرانيا بعد بالأسلحة الثقيلة التي تطالب بها كييف، في وقت تزحف القوات الروسية على منطقة دونباس في الشرق الأوكراني. وقد عبّر زيلينسكي عن ذلك بوضوح في الكلمة التي ألقاها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس خلال جلسته الافتتاحية قبل أيام. وباختصار قال زيلينسكي أريد أسلحة الآن وعقوبات أشد قسوة على روسيا.
وأكثر من مرة، ردد زيلينسكي مقولة أن تأخر الغرب في إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا وعدم الوقف الفوري لاستيراد الطاقة الروسية، هما السببان اللذان مكنّا موسكو من مواصلة هجومها على الأراضي الأوكرانية. وتصاعدت انتقادات المسؤولين الأوكرانيين بعدما ظهر أن العقوبات الغربية، رغم اتساعها غير المسبوق، لم تحدث الأثر المتوخى في جعل الاقتصاد الروسي ينهار ويحرم الكرملين من الموارد اللازمة لتمويل العمليات العسكرية في أوكرانيا.
وحتى الآن، يمكن القول إن الاقتصاد الروسي تمكن على الأقل من الصمود في مواجهة العقوبات، بينما ارتفع سعر الروبل في مقابل الدولار إلى مستويات هي الأعلى منذ سبعة أعوام، وذلك من طريق إجبار الدول الأوروبية المستوردة للطاقة الروسية على دفع ثمنها بالروبل بدلاً من الدولار.
ولم تكن طلبات زيلينسكي، المدعومة من الولايات المتحدة، سهلة التنفيذ من جانب الأوروبيين بالسرعة المطلوبة، من دون إلحاق أضرار بالغة باقتصاداتهم. وهذه هي علّة التأخير والتردد اللذين كانا سمة بعض المواقف الأوروبية ومنها ألمانيا، قبل أن تقبل بالتوقف الفوري عن استيراد الغاز الروسي، تحت الضغط الأميركي.
ومع ذلك، تبقى مسألة التوصل إلى اتفاق، رهن حصول كل طرف من الأطراف المعترضين على ما يرضيه.
وتعكس الخلافات عدم الحماسة الأوروبية للانخراط في حرب، كان من الممكن في نظر فرنسا وألمانيا حلّها بالطرق السلمية والحوار.
إن أخطر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، من البديهي أن يقود إلى انقسامات، في ضوء حسابات تجريها كل دولة لمدى انعكاسات أي قرار تتخذه، على مصالحها الوطنية.
وبين إلحاح زيلينسكي وحسابات بعض الدول الأوروبية لعدم الانزلاق أكثر في الحرب أو عدم المساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتمددها، تقف القارة مرة أخرى على أعتاب مرحلة مصيرية، تتنافر فيها المصالح وتختلف الرؤى للمستقبل.
وحلف شمال الأطلسي اليوم، هو أقوى مما كان عليه لعقود خلت، ويقدم نفسه على أنه الضامن للأمن الأوروبي، بينما تلاشت أحلام قادة أوروبيين بـ”الاستقلال” الأمني عن أميركا في المستقبل المنظور.
وهذه من الانقلابات الجذرية التي أحدثتها الحرب الروسية – الأوكرانية في التفكير الأوروبي. ومن اعتقدوا أن الحرب العالمية الثانية بكوارثها، كانت كفيلة بإقناع الجميع بعدم الاندفاع إلى كارثة أخرى، تبيّن لهم أن اعتقادهم هذا كان مجرد وهم تلاشى مع الطلقة الأولى في الحرب الجارية الآن.