بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – نُذر مواجهة جديدة تتجمع في جنوب شرقي آسيا محورها، هذه المرة، جزيرة تايوان، حيث يدور الصراع، منذ سنوات طويلة، بين واشنطن وبكين، كجزء من الصراع القائم بين القوى الكبرى للسيطرة على الساحة الدولية وبسط الهيمنة على النظام العالمي. فهل تصبح تايوان ميدان حرب جديدة على غرار الحرب الأوكرانية؟
الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي تحدث عن «منافسة عالمية بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية»، خلال زيارته الأخيرة لكوريا الجنوبية واليابان، شدّد على أن آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي «تشكل ساحة معركة رئيسية»، لكنه قال إن سياسة بلاده تجاه تايوان القائمة على «الغموض الاستراتيجي» لم تتغير، رغم تأكيده، في الوقت نفسه، على أن بلاده ستتدخل عسكرياً في حال ما اعتبره غزواً صينياً لتايوان.
هذا الحديث أثار مزيداً من الشكوك والتكهنات حول ما إذا كانت تايوان ستتحول إلى أوكرانيا ثانية، خصوصاً أنه جاء قبيل انعقاد قمة تحالف «كواد» في طوكيو، والتي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، وهو تحالف أمني عسكري يهدف في جوهره إلى محاصرة الصين، وجرّها الجنوبي وضمان السيطرة على الخطوط البحرية في المحيطين الهندي والهادي. وبهذا المعنى، فإن زيارة بايدن الآسيوية حملت معها الكثير من التصعيد والتلويح بالقوة الذي قد يخلف تداعيات خطيرة على المنطقة.
يقول بايدن، في حديثه، إن الزعيم الصيني سأله أكثر من مرة، «لماذا تستمرون في القول إنكم قوة في المحيطين الهندي والهادي؟»، فأجاب بايدن «لأننا كذلك فعلاً.. نحن مرتبطون بالمحيط الهادئ من خلال جزء من بلادنا. ونحن نتفاعل معكم جميعاً منذ فترة طويلة». وإذا كان حديث بايدن قد تسبب ببعض الحرج لكثير من القادة الأمريكيين، حيث ينتهج الديمقراطيون عادة تجنب التدخل المباشر ويفضلون إدارة الحروب والأزمات عن بعد أو بالوكالة، فإن الرد الصيني لم يتأخر، إذ سرعان ما حذرت بكين واشنطن من «اللعب بالنار»، وجددت التأكيد على أن تايوان جزء من أراضيها، ولا مجال للتهاون أو تقديم تنازلات في أمور تتعلق بالسيادة. وشددت على أنه «لا ينبغي لأحد أن يسيء تقدير عزيمة الشعب الصيني الحازمة وإرادته القوية في الدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة أراضي الصين».
وفي هذا الصدد، تقدر بكين بأن واشنطن قدمت أسلحة لتايوان بما لا يقل عن 70 مليار دولار، ومع ذلك فإن حديث بايدن وتهديداته المباشرة وتفعيله لتحالف «كواد» سيقابلها تفعيل «تحالف» آخر، بحسب الخبراء، يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية. وبات من الواضح أن المصالح الروسية الصينية التي تقاربت كثيراً قبل الحرب الأوكرانية وخلالها، باتت تتجه نحو قيام تحالف حقيقي يضم أيضاً كوريا الشمالية، ما يشكل قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، لا يمكن الاستهانة بها، ما قد يدفع بكين، إذا ما نجحت موسكو في تحقيق أهدافها في أوكرانيا، إلى التفكير في استعادة تايوان بالقوة، رغم التحديات الأمريكية، وعندها لن تنفع سياسية «الغموض الاستراتيجي»، لأننا قد نشهد بالفعل قيام نظام عالمي جديد.