بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – صدم الوزير الفرنسي المنتدب للشؤون الأوروبية كليمان بون أوكرانيا الأحد، بقوله إن عملية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي “ستستغرق ما بين 15 و20 عاماً”، ناصحاً إياها بالاكتفاء في الوقت الحالي بأن تكون جزءاً من “المنظمة السياسية الأوروبية”، التي اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاءها كإطار يضم الاتحاد الأوروبي ودولاً أخرى مثل بريطانيا وأوكرانيا.
الموقف الفرنسي ينم عن واقعية سياسية في وقت دخلت أوروبا في أقسى اختبار منذ الحرب العالمية الثانية. لكن ليس كل دول الاتحاد الأوروبي مجمعة على “المنظمة السياسية الأوروبية”. فهناك دول أوروبا الشرقية، وفي مقدمها بولندا، تدعو إلى ضم كييف سريعاً إلى الاتحاد الأوروبي، كنوع من تأكيد التصميم الأوروبي على كسر روسيا في أوكرانيا وربما أبعد.
وبينما كان الوزير الفرنسي يتحدث، كان الرئيس البولندي أندريه دودا يلقي خطاباً حضورياً أمام البرلمان الأوكراني، ويشجع الرئيس فولوديمير زيلينسكي على رفض الحلول الوسط والتمسك بطرد الجيش الروسي من كامل الأراضي الأوكرانية.
وليست أوروبا الشرقية (باستثناء المجر) وحدها التي تطالب بضم أوكرانيا على نحو سريع إلى الاتحاد الأوروبي، فهناك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، هي الأخرى التي تحض المحور الفرنسي – الألماني على التسريع بضم أوكرانيا إلى التكتل الأوروبي. كما أن مواقف البيت الأبيض منسجمة تمام الانسجام مع مواقف أوروبا الشرقية وجمهوريات البلطيق التي كانت سباقة إلى الإعلان عن خطط الاستغناء عن الغاز الروسي، إلى المطالبة بقبول عضوية كييف في النادي الأوروبي، والتغاضي عن الكثير من الشروط التي يجب على الدول التي تنشد عضوية الاتحاد الأوروبي، أن تلبيها في الأوقات العادية.
لكن ألمانيا وفرنسا بصفتهما الدولتين اللتين تتحملان العبء الأكبر من موازنة الاتحاد، باتتا في موقف حرج، ذلك أن قبول عضوية أوكرانيا من شأنه أن يحمل دولاً في البلقان مثل صربيا ومونتينيغرو وألبانيا ومقدونيا الشمالية وكوسوفو، التي سبق لها أن تقدمت بطلبات لعضوية الاتحاد الأوروبي، على المطالبة أيضاً بمعاملة مماثلة لتلك التي ستحظى بها أوكرانيا، وتالياً ترتيب المزيد من الأعباء على فرنسا وألمانيا بالدرجة الأولى.
وفي مسعى يشتمّ منه التفافاً على العضوية المباشرة، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خطة مساعدات لأوكرانيا بـ23 مليار دولار، بالتوازي مع الخطة التي أقرها الكونغرس الأميركي ووقّع عليها بايدن والبالغة 40 مليون دولار.
وكان وزير المال الألماني كريستيان ليندنر واضحاً في رفض منح الاتحاد الأوروبي قرضاً مشتركاً لإعادة إعمار أوكرانيا، على غرار القرض الذي جرى الاتفاق عليه للتعامل مع تداعيات وباء كورونا على الدول الأعضاء.
على أن التردد الفرنسي والألماني يتعدى الناحية المالية فقط، ليرتبط ارتباطاً واضحاً بالموقف السياسي للبلدين حيال الأزمة الأوكرانية. أي أن باريس وبرلين تحبذان التوصل إلى تسوية ما بين أوكرانيا وروسيا وعدم إطالة أمد الحرب. وتخشى فرنسا وألمانيا أن الحرب إذا طالت، فإنها قد تتوسع إلى دول مجاورة، وقد تفضي إلى مواجهة مباشرة بين أوروبا وروسيا، وأن الجميع سيخرج خاسراً من مواجهة كهذه وليس روسيا وحدها.
وكان هذا من بين الأسباب التي جعلت ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس يبقيان على اتصال دائم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك، فإن الكلمة الفصل في مسألة قبول زيلينسكي بحل وسط يوقف الحرب، تعود إلى الولايات المتحدة بشكل رئيسي، وهي من يقع على عاتقها إقناع الرئيس الأوكراني القبول ولو بحل مؤقت، من شأنه على الأقل أن يوقف القتل والدمار، ويقطع الطريق على إمكان توسع الحرب ووقوع كارثة أخرى في القارة الأوروبية.