بقلم: كارل بيلت – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – جعلت الحرب الروسية الأوكرانية، الحكومات الأوروبية في سعي حثيث لتغييرات مهمة. وأصبح محور الحديث والبرامج في القارة العجوز: نداء إيقاظ جيوسياسي عالمي ينطوي على عاقبتين رئيسيتين. أولاً: سيزداد الإنفاق العسكري في مختلف أنحاء أوروبا، فبعد سنوات من التثاقل والتقاعس، وعلى نحو مفاجئ، اتفق جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبيين تقريباً على هدف إنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، فقررت ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، إضافة ما يعادل 0.5% من ناتجها المحلي الإجمالي إلى إنفاقها الدفاعي في غضون عام واحد فقط.
ثانياً: ستتعزز قوة الناتو من عدة نواحٍ، فبالإضافة إلى زيادة وجوده العسكري في البلدان الأعضاء المجاورة لروسيا، يستعد الحلف لإضافة فنلندا والسويد إلى صفوفه. طور كل من البلدين علاقاته بالناتو منذ سنوات، لكنهما الآن يعتزمان اتخاذ الخطوة الحاسمة المتمثلة في الالتحاق بعضوية الناتو رسمياً.
لقد خلق يوم الرابع والعشرين من فبراير موقفاً أمنياً جديداً تماماً لفنلندا والسويد، ولأن فنلندا خاضت حرباً ضد الاتحاد السوفييتي خلال الفترة 1939 – 1940 وكانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية طوال قرن من الزمن قبل عام 1917، فقد أقنع الواقع الحالي قادة فنلندا على الفور بضرورة السعي إلى الالتحاق بعضوية الناتو.
كان ترتيب فنلندا الهش مع الاتحاد السوفييتي، ثم مع روسيا في وقت لاحق، أحد الأسباب الرئيسية وراء بقاء السويد أيضاً خارج الناتو. في أعقاب انضمام النرويج والدنمارك إلى الحلف في أواخر أربعينيات القرن العشرين، انتهجت السويد سياسة الحياد في الحرب الباردة بدعم من قوات دفاعية قوية.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، انضمت فنلندا والسويد إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، وعمل البلدان على تعميق تعاونهما الدفاعي مع الناتو، وبالتالي مع الولايات المتحدة. كانت عضوية الناتو الكاملة تُـعَـد خياراً محتملاً في تاريخ لاحق. ولكن برغم أن الرأي العام في فنلندا والسويد أصبح أكثر تقبلاً للفكرة بعض الشيء، فإن الأغلبية تظل متشككة أو معارضة.
لكن الرابع والعشرين من فبراير قلب الموازين. وقد أعلن البلدان، فنلندا والسويد، عزمهما التقدم رسمياً إلى عضوية الناتو. في الأسابيع الأخيرة، تغير اتجاه الرأي العام بشكل كبير، فالآن تفضل جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في السويد، باستثناء الحزب الشيوعي السابق وحزب الـخُــضر المتضائل، الالتحاق بعضوية الناتو، وفي فنلندا، أعربت كل الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار عن دعمها. الواقع أننا نشهد تغيراً سياسياً هائلاً، وكل هذا بسبب سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو من شأنه أن يؤدي إلى تغيير البنية الأمنية الأوروبية على وجهين مهمين، فأولاً: ستكتسب دول شمال أوروبا القدرة على تنسيق قوات دفاعية كبيرة على مستوى المنطقة. وسوف تزود السويد وفنلندا الناتو بقدرات جديدة، كما أوضحت بالفعل تدريبات القوات الجوية المنتظمة التي تجريها مع النرويج. علاوة على ذلك، سيكتسب الناتو المزيد من القدرة على السيطرة على بحر البلطيق، وبالتالي دعم الدفاع عن إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
ثانياً: ستعمل عضوية السويد وفنلندا على تعزيز الركيزة الأوروبية داخل الناتو، فكل من البلدين مؤيد لتطوير البعد الدفاعي والأمني للاتحاد الأوروبي، وتعزيز أواصر العلاقات عبر الأطلسي، بما في ذلك العلاقة الأمنية المهمة مع المملكة المتحدة. وبينما سيظل الناتو الضامن الأساسي للدفاع الإقليمي، فإن الاتحاد الأوروبي، بترسانته السياسية الأوسع، سيتحول إلى تحالف أمني متزايد الأهمية، وسوف يزداد التنسيق بين الكيانين عُـمقاً.