بقلم: د. ناصر زيدان – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – إعلان فنلندا والسويد قرارهما الانضمام إلى حلف الأطلسي (الناتو)، قلب مشهد الحرب في أوكرانيا رأساً على عقب، وحوَّل التوتر في الشرق الأوروبي إلى صراع دولي مكشوف، قد تنتج عنه أزمات إضافية، ويتطور إلى حد نشوب حرب عالمية ثالثة، تسبِّب وبالاً غير مسبوق على البشرية جمعاء.
فنلندا التي كانت جزءاً من الإمبراطورية القيصرية الروسية قبل العام 1809، استقلت عنها بعد الثورة البلشفية عام 1917، وبقيت على الحياد في الحرب العالمية الثانية، وكانت مع السويد المجاورة مناطق فاصلة، ولم تشاركا في الحروب ضد روسيا، رغم أن النمط الغربي يغلب على طبيعتهما أكثر من تأثرهما بالنمطية الشرقية، أو الروسية، سواء في التعامل مع المجريات السياسية والعسكرية، أو في طبيعة الحكم فيهما. وإذا كانت السويد التي تُشاطئ غالبية الشمال الغربي لبحر البلطيق بعيدة عن الحدود الروسية؛ فإن فنلندا تتمدد داخل المجال الحيوي الروسي، وتتشارك معها فيما يقارب 1300 كلم من الحدود، وهي على مقربة من قواعد روسية حساسة، لاسيما بالقرب من القطب المتجمد الشمالي.
غالبية المسؤولون الروس يؤكدون أن لا نية لروسيا بتوسيع الحرب التي تجري في أوكرانيا، وأن هذه الحرب فُرضت على بلادهم لأسباب استراتيجية، ودفاعاً عن الأمن القومي لروسيا، ويؤكد هؤلاء أن روسيا كانت جادة في المفاوضات التي حصلت بين الجانبين على الأراضي البيلاروسية وفي تركيا بعد نشوب الحرب، وهدفها كان الحصول على ضمانات تمنع أوكرانيا من الدخول في حلف الناتو، وبالتالي وصول الحلف إلى الحدود الروسية. لكن خضوع القيادة الأوكرانية للإرادة الأمريكية والبريطانية – كما يقول الروس – منعت هؤلاء من الموافقة على الحل، وشجعتهم على متابعة الحرب لاستنزاف موسكو، ولاستكمال تطويقها استراتيجياً.
دخول فنلندا والسويد في عضوية الناتو؛ يعني وصول قوات الحلف إلى الحدود الروسية من الجهة الشمالية الغربية، وبالتالي التضييق على التحركات الروسية في بحر البلطيق الذي يعتبر متنفساً حيوياً للاقتصاد الروسي، خصوصاً لتصدير النفط والغاز، كما أن وجود الحلف في السويد، سيعطل أهمية «جيب كالينينغراد» الروسي في قلب أوروبا، وهو يقع مقابل السواحل السويدية، وسيصبح الوصول الروسي إلى هذا الجيب معقداً، والقواعد الصاروخية والبحرية المنتشرة على أرضه وفي مياهه، ستصبح شبه محاصرة. ومما لا شك فيه؛ فإن تخلي السويد وفنلندا عن حيادهما، سيقوي شكيمة الحلف عسكرياً، وسيؤدي إلى فرض مزيد من الاختناق على الاقتصاد الروسي الذي يتنفس بقوة من الرئة الشمالية – الغربية. وهذا ما سينعكس سلباً على الأسواق الروسية التي استطاعت أن تتجاوز الصدمة الأولى التي نتجت عن العقوبات الغربية.
الاهتمام الشخصي للرئيس الأمريكي جون بايدن بإتمام عملية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، من خلال دعوته لرئيسي وزراء البلدين إلى واشنطن، يدل على عزم غربي، وخصوصاً أمريكي على محاصرة روسيا والعمل على تذليل الاعتراض التركي على انضمام الدولتين إلى الحلف؛ يقابله تصعيد في لهجة التهديدات الروسية من جراء إتمام هذه الخطوة.
مخاطر الحرب في أوكرانيا تخطت الإقليم الشرقي لأوروبا، ووضعت القارة برمتها على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة، والمحاولات الفرنسية والألمانية في تخفيف حدة الاحتقان؛ لم تنجح حتى الآن، وقد اضطرت الدولتان المعتدلتان إلى الشروع في تنفيذ العقوبات ضد روسيا، وإلى طرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس من بلديهما، وهما يفتشان عن بدائل للغاز الروسي، وبالتالي الاستغناء كلياً عن الواردات الروسية. والمفوضية الأوروبية قررت إنشاء صندوق مالي لدعم المجهودات العسكرية الطارئة بقيمة 500 مليون يورو، وهي تدرس خطة لتأسيس قوة عسكرية أوروبية تساعد قوات الناتو فيما لو تعرَّض أمن أوروبا للخطر.
هذه الأحداث والتطورات التي تحصل على الساحة الأوروبية تؤكد أن صراعاً دولياً كبيراً يجري، وقد يتفلَّت من القيود والضوابط، وقد يسبِّب ويلات للبشرية برمتها، وأولها أزمة النقص في المواد الغذائية التي بدأت تلوح بالأفق.